يحرص عالم الاجتماع واللاهوت المعروف بشكل واسع في ألمانيا والنمسا، مهند خورشيد، على التأكيد أن التطرّف فكرٌ قبل أن يكون حالة اجتماعية، يقول “انظروا إلى منفذي عمليات الحادي عشر من سبتمبر 2001، كان معظمهم متفوقين تعليمياً ولم يكونوا فقراء، لكن بلا شك أن الفقر والعزلة الاجتماعية تهيّئان المناخ والظروف الملائمة للتطرف ولكن بالمقابل القضاء على التطرّف لا يكون فقط في القضاء على الفقر، لأن التطرّف مبنيّ على فكر، والفكر المتطرف تجب محاربته بفكر معتدل”.
في كتابه ”خيانة الإسلام“ يضع خورشيد ملاحظاته الدقيقة على تلك الظاهرة، فيشير إلى أن البعض يؤكد دائما أنه ضد التطرّف، لكن فهمه للإسلام يحمل في طياته أفكاراً تصبّ في التطرّف. والقضاء على ذلك يجب أن يتبعه فكر ديني متنور، إذ لا مفرّ من تجفيف المنابع الفكرية للإرهاب.
الإسلام في أوروبا حالياً، وحسب خورشيد، عبارة عن رسائل سياسية بعيدا عن روحانية الدين، وهذا ما لاحظه مبكراً في مساجد الإخوان المسلمين، حينها تبين له أن المبدأ هو “إن كنت معنا فأنت مسلم وإن لم تتّبعنا فأنت لست مسلمًا”
الإسلام في أوروبا حالياً، وحسب خورشيد، عبارة عن رسائل سياسية بعيدا عن روحانية الدين، وهذا ما لاحظه مبكراً في مساجد الإخوان المسلمين، حينها تبين له أن المبدأ هو “إن كنت معنا فأنت مسلم وإن لم تتّبعنا فأنت لست مسلمًا”
يرى خورشيد أن الدين جاء ليخدم الإنسان، والإنسان جاء ليخدم أخاه الإنسان والتديّن وحقيقة التدين إنسانية الإنسان. يُعرّف الدين بأنه ليس مجرد طقوس أو دوغمائية، الدين معاملة، والتديّن لا بد من أن يُترجم في حياة الإنسان وفي أخلاقه وإلا سيبقى الدين مجرد عناوين فارغة.
يقول عن نفسه ”لستُ سياسياً، أنا شخصية انطوائية، وليست لدي انتماءات حزبية أو سياسية“، ويضيف ”عندما وصلتُ إلى النمسا كنت أذهب لصلاة الجمعة مثل باقي المسلمين ولكن فوجئت بأن الخطب معظمها سياسية تتناول الحكام، وهذا ما اعترضت عليه عند الإمام، وفيما بعد فهمت أنّ المسجد الذي أرتاده مسيطر عليه من قبل حزب التحرير”.
الإسلام في أوروبا حالياً، وحسب خورشيد، عبارة عن رسائل سياسية بعيدا عن روحانية الدين، وهذا ما لاحظه في مسجد آخر يتبع الإخوان المسلمين، وحينها تبين له أن مبدأ جماعات الإسلام السياسي مبني على التبعية ”إن كنت معنا فأنت مسلم وإن لم تتّبعنا فأنت لست مسلمًا”.
شعر خورشيد أن الدين الذي يتكلم عنه خطباء المساجد هو دين سياسي وليس روحياً، وهؤلاء يعيشون في أوروبا ليهيمنوا على السلطة السياسية، وبكلامهم المعسول يريدون استخدام الدين جسرا للعبور نحو السلطة السياسية. كان واضحا أنهم يريدون أن يتركوا فجوة بين المسلم والمجتمع المضيف في أوروبا، بالرغم من كلامهم بالابتعاد عن العنف. ولكنهم يلهبون عقول الشباب بالحقد على المجتمع الغربي.
مشروعه في تفسير القرآن الكريم وترجمته إلى الألمانية يضع الآيات القرآنية في سياقاتها التاريخية، وعلى سبيل المثال، نجده يفسر الآية القرآنية “اقتلوهم حيث ثقفتموهم” على أنها لا تتحدث عن قتل الإنسان المغاير، بل أتت في سياق تاريخي محدد، كانت الغزوات فيه تكاد لا تنتهي.
يعتبر خورشيد أنه ومع غياب كامل للدول المعتدلة إسلاميا في المشهد الأوروبي، فلا بد أن يتأقلم الإسلام كجزء من المجتمع، وليس دينا مختلفا عن المجتمع، وحرية الديانات متاحة جدا في النمسا وألمانيا، حتى أن تدريسها يتم على حساب الدولة، وتوجد مساواة بين المسلمين وغيرهم من الأديان الأخرى، ولكن جماعة الإسلام السياسي لا تنفكّ عن استخدام نظرية المؤامرة والمظلومية الدينية. وما يؤرقه هو هيمنة هؤلاء على المجتمع وفرض طقوس مختلفة على الناس، وأسلمة البلدان التي يعيشون فيها. رابطين إسلام المرأة في غطاء رأسها.
الأكثر وضوحا في كتاب خورشيد ”خيانة الإسلام“ هو الفصل بين ما تتبناه قوى الإسلام السياسي من تحليل وتحريم للوصول إلى مبتغاها، وبين طهارة الإسلام الدين الحنيف وما يدعو له من قيم تهتم بالحياة الروحية القائمة على التسامح والإخاء بين بني البشر.
الإصلاح الديني يبدأ، كما يقول خورشيد، من تغيير الفتاوى والفقه، ولا يكفي أن نبدّل فتوى مكان فتوى، بل لا بد من التفكير في صياغة علاقة الانسان بالله. والتفكير هل هي علاقة سلطة أم علاقة محبة؟ يقول ”كثيرا ما أسمع أن إله المسلمين هو إله الجهاد، بينما إله المسيحية هو إله المحبة والسلام. بينما الخالق يريد كل خير للإنسان في الدنيا، ولذلك علينا أن نفعّل قيم الدين“. ويضيف ”عندما يكون الدين خوفا من الله فهذه الطريقة تأخذنا إلى علاقة مصلحية بين العبد والرب، وليس علاقة محبة متبادلة، وبهذا يبتعد الإنسان عن محبة الله”.
وعلى المسلمين تفعيل الحديث عن الرحمة كمحور لفهم الدين الإسلامي وهنا تأتي كلمة الرحمة، سريانية الأصل، بمعناها الإله المحب. وإذا ما قرأنا القرآن نجد اسم الرحمن لم يرد في السور الأولية، إنما في سورة ”مريم“ وكأن الله يريد إيصال فكرة الرحمة للإنسان وأن الله أعطى الإنسان الحرية في المحبة.
يؤكد خورشيد على أن عماد الإسلام وأساس أركانه الرحمة الإلهية المُحِبة للإنسان، وكما ورد في القرآن الكريم “يحبهم ويحبونه“. وكأنه يقول إن الله ينادينا إلى رحمته التي وسعت السماوات والأرض، وأيضاً في قوله ”يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”.
ومن هنا كان مشروعه في تفسير القرآن الكريم وترجمته إلى الألمانية الذي يضع الآيات القرآنية في سياقاتها التاريخي، فعلى سبيل المثال نجده يفسر في إحدى ندواته الآية القرآنية “اقتلوهم حيث ثقفتموهم“ على أنها لا تتحدث عن قتل الإنسان المغاير، بل أتت في سياق تاريخي محدد، كانت الغزوات فيه تكاد لا تنتهي. وهو يعمل ليل نهار على هذا المشروع الذي وصل إلى 15 مجلداً باللغة الألمانية.
وهناك، حسبما يقول، حاجة ماسة لتفسير القرآن الكريم باللغة الألمانية وفق منهجية أن القرآن ليس كأيّ كتاب، بل هو خطاب الله للبشرية، وعلى العلماء العرب ممن يتحدثون لغات أجنبية أن يقوموا بتفسير القرآن والعمل على الكشف عن هذه الرحمة الإلهية وتجلياتها في السياق التاريخي؛ أين تظهر؟ ما الذي أرادت تغييره في مجتمع التنزيل؟ ما الذي تريده من مجتمع الحاضر؟ إذن، وحسب قوله، نحتاج إلى دراسة السياق التاريخي الذي نزل فيه القرآن كي نستطيع الكشف عن تجلي رحمة الله في هذا السياق.
ولد مهند خورشيد في العام 1971 في حي الحدث ببيروت، من أبوين تعود جذورهما إلى مدينة عكا الفلسطينية التي خرجوا منها عام 1948 إلى لبنان. درس والده الهندسة الكهربائية في مصر وتخرّج فيها في زمن الرئيس جمال عبد الناصر، وفي الستينات من القرن الماضي انتقلت عائلته إلى العمل في الرياض وجدة في المملكة العربية السعودية. وهناك أنهى خورشيد تعليمه حتى حصوله على الثانوية العامة من الرياض، ليعود إلى بيروت ويلتحق بكلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية. وممّا يرويه خورشيد عن مفارقات العقل الديني أنه كان قد فاز وهو ما يزال في التاسعة من عمره بجائزة لحفظة القرآن، وكان يظن أن الجائزة مجموعة ألعاب تتناسب وسنّه، ولكنه فوجئ عندما فتح الصندوق أن المكافأة كانت مكنسة كهربائية، ما أصابه بالإحباط.
صدر لخورشيد العديد من الكتب، وهي تقارب التسعة والعشرين كتاباً موزعة في عدة مكتبات ألمانية، وهي تلخص إبداعه الفكري الذي يدعو على الدوام إلى الدفع بعجلة اندماج المسلمين في المجتمع الألماني مع الحفاظ على هويتهم الإسلامية.
تموز نت