أفضت المتغيرات العسكرية والاجتماعية في سوريا إلى تنامي ظاهرة الأطفال مجهولي النسب الذين تزايدت أعدادهم في المناطق الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية.
وارجعت دراسة نشرها مركز حرمون سبب ذلك إلى “الزواج من مقاتلين أجانب لم تحدد هوياتهم بدقة، أو بسبب الزواج من مقاتلين محليين قُتلوا لاحقا، وتعذر إيجاد وثائقهم أو تسجيل واقعات زواجهم بسبب فقدان الوثائق أو موت الأبوين كليهما”.
وأشارت الدراسة إلى أنه مع تغيرات خرائط السيطرة تكشفت الأعداد الكبرى لأبناء هذه الظاهرة حيث استدعت الحاجة إلى توثيق وجودهم أو تحديد نسبهم وجنسياتهم، و إيجاد الجهات الوصائية الكفيلة برعايتهم، وخصوصًا في حال غياب الأبوين.
ولم تقتصر الظاهرة على الأطفال المولودين من مقاتلين ماتوا أو اختفوا ففي عدد من الحالات ماتت الأمهات أيضاً وتعذر إثبات النسب لفقدان الوثائق مع موت الأمهات وتشرد الأطفال وكان لتنامي حالات الاغتصاب دور في حدوث ولادات لم يتعين وفقها اسم الآباء.
وبسبب العدد الكبير من المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى صفوف داعش خصوصاً الجماعات الجهادية المتشددة عموماً سجلت المناطق التي خضعت لسيطرتهم النسب العليا في ظاهرة مجهولي النسب، بحسب الدراسة.
الدراسة أشارت أيضاً إلى أن الحرب ساهمت في تفكك بنية الأسرة السورية وعدلت وظائفها. ولم يتوقف تصدع الأسرة السورية وتفككها على الجوانب البنيوية، بل شمل القيم الاجتماعية التي تعمل على تعزيز التماسك الأسري، فبرزت الصراعات والعداوات والقطيعة بين الإخوة والأقارب نتيجة وجودهم في صفوف أطراف مختلفة في الصراع السوري.
كما ظهرت سلسلة من المشكلات الاجتماعية أبرزها: انتشار العصابات الإجرامية، استفحال القتل، اختلاط القيم الداعمة للتماسك والتضامن بالقيم التفكيكية للنسيج الثقافي والاجتماعي، ما أدى بدوره إلى خلل كبير في بنية الأسرة السورية ووظائفها، أنتج عددًا من المشكلات الاجتماعية (الطلاق، تعدد الزوجات، زواج القاصرات، الإتجار بالبشر)، العنف ضد المرأة والطفل، ازدياد عدد الأطفال الأيتام، والأطفال غير المصحوبين بأسرهم، انتشار عمل الأطفال، والتسرب المدرسي، والزواج المبكر بالتوازي مع ظاهرة العزوف عن الزواج، وارتفاع نسبة العزوبية عند الذكور والإناث .
كما حصل تحول في نمط الاسرة السورية من النواتية إلى الممتدة التقليدية الكبيرة، المرتبطة بمجتمعات ما قبل الحديثة، أدى إلى اندلاع عدد من الخلافات الداخلية بين أفراد العائلة والصراع الدائم المدمر لعلاقات المودة بين أفراد العائلة كافة، إضافة إلى انتفاء الخصوصية الأسرية لآلاف الأسر السورية. وينطبق هذا الأمر بشكل أساسي على الأماكن التي تعيش فيها أكثر من أسرة، مثل المخيمات، مراكز الإيواء، أو المنازل التي تجتمع فيها عائلتين أو ثلاثة كما هو الحال في مناطق متعددة من دمشق وحلب واللاذقية وحمص وغيرها.
ومع وصول نسب خط الفقر في سورية إلى 93%، بات أكثر من 70% منهم تحت عتبة الفقر المدقع، وانعدام الأمان الغذائي، ومع غياب المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، وجد أكثر من ربع مليون سوري نفسه بين التسول المباشر والتشرد على قارعة الطرقات، عدا عن أعداد المشردين في المخيمات غير الخاضعين لهذا التصنيف.
وشكل غياب المعيلين الذكور واحدًا من أهم الأسباب الذاتية إلى جانب الفقر العام وغياب فرص العمل والتأكل الاقتصادي العام، وجنوح الحكومة السورية إلى التماهي المطلق مع أمراء الحرب الساعين إلى مزيد من النهب العام ليضاف إلى جمهور المتسولين الذي يتسع شرائح جديدة من الأرامل واليتامى والأطفال مجهولي النسب الذين لم يجدوا معيلًا لهم، إضافة إلى المعاقين جرحى الحرب وكبار السن العاجزين.
وذكرت الدراسة أن التدمير الكلي للاقتصاد السوري انعكس على الواقع الاجتماعي بحدة، وجرف شرائح بشرية نحو القاع بعيدًا عن وجود شبكات أمان، أو قدرة على تأمين متطلبات الحياة الرئيسية، فحرمها من قدرة الحصول على مدخولات كافية لأمنها الغذائي والصحي، فوجدت نفسها في مهب الحاجة الشديدة تبحث عن لقمتها في سلال القمامة والحاويات، ودفعتها الحاجة الشديدة إلى طلب المعونة بشكل فردي عبر التسول المباشر، أو التسول المقنع بوساطة القيام بأعمال هامشية بسيطة للحصول على مدخولات إضافية تساعد ضمن الظروف القاسية.
وشكلت الجريمة المنظمة في بعض وجوهها المحلية نوعًا من الرشوة للموالين، في الخطف لأجل الفدية وتجارة الاعتقال، وتبييض الأموال داخليًا، وتزوير الوثائق الشخصية والعقارية والاستيلاء على الأملاك. وارتبطت تلك الشبكات مع مثيلاتها في المناطق الخارجة على سيطرة الحكومة بحكم المصالح، بغض النظر عن الوضع القتالي والسياسي المتنافر، وبخاصة في التبادل السلعي والنفط والتهريب والإتجار بالمخدرات والآثار وتبييض الأموال، حققت أموال الجريمة المنظمة مصدرًا مهمًا من التمويل الذاتي للميليشيات الجهادية المناوئة للنظام.