أصدرت المؤرخة الفرنسية آليكس باري كتابا مثيرا بعنوان “المشعوذة”، يتناول ميلاد تمثيل المشعوذة في تاريخ الفن، وخاصة ابتكار المرأة الشريرة.
ويقول الكتاب إن أول مشعوذتين في تاريخ الفن ربما تعودان إلى سنة 1440 ميلادية، وهما امرأتان قصيرتان على مكانس على شكل إضاءة في مخطوط يتحدث عن شعب “فودو” الذي يشتبه في ممارسته للشعوذة. واعتبارا من عصر النهضة، تسببت ملاحقة المشعوذات في إبادة عشرات الآلاف من النساء في جميع أنحاء أوروبا.
وتضيف باري في كتابها أن القرن الرابع عشر على وجه الخصوص، شهد نهاية حرب المئة سنة والطاعون والمجاعات وسوء المحاصيل الزراعية، ما نجم عنه البحث عن كبش فداء ليتطور الأمر إلى وجه المشعوذة الذي سيجسد كل الويلات. وهكذا اعتقد العديد من الناس أن الجارة ربما تحالفت مع الشيطان ليعطوا تفسيرا للكثير من البؤس.
وبشكل سريع جدا، تم تمثيل المشعوذة بأنف معقوف وقبعة مدببة. وبحسب المؤلفة، فقد قامت البواخر الأوروبية الأولى، التي رست في أفريقيا بتصدير صورة المشعوذة كمثال لنقل الثقافة.
وفي تاريخ الفنون، يجري غالبا تمثيل المشعوذة كامرأة ذات علاقة بالطبيعة البرية. ويخبرنا الكتاب بهذا الصدد بأن الناس كانوا يحترسون كثيرا من النساء في العصور القديمة، نظرا إلى وجود الكثير من الغرائب التي تحيط بجسم المرأة مثل الإنجاب ودورة الحيض والمحاذير الأخرى.
كما تقول المؤلفة إن هناك نسوة مخيفات يشملن المرأة العالمة والمرأة التي تفقه في النباتات أو التي تقدم العلاج أو تمارس الإجهاض السري. وتضيف المؤلفة أن المشعوذة اختفت في قرن الأنوار، قبل أن تعود من جديد في الفن في القرن التاسع عشر، في شكل المرأة المراوغة ومن خلال القصص.
وربما يعرف الجميع المشعوذة على أنها المرأة التي تمارس السحر. وفي العالم الغربي ارتبطت هذه الشخصية منذ فترة طويلة برمزية سلبية، حيث باتت لها صورة نمطية يعرفها الصغار قبل الكبار منها قدرتها على الطيران على المكنسة، وحضورها في أيام السبت، ومطارداتها للنساء والأطفال.
وبسبب هذه التهم أصدرت المحاكم الغربية ما يقارب ستين ألف حكم بالإعدام ضد نساء اتهمن بالشعوذة، منذ نهاية العصور الوسطى وحتى بداية العصر الحديث.
وفي العصر الحديث أعيد تأهيل شخصية المشعوذة، خاصة خلال السبعينات من القرن العشرين، من خلال الحركات النسائية التي حاولت رد الاعتبار لهذه الشخصية التي لا علاقة لها بالواقع، بل هي مجرد تصورات ذكورية، تكرست بشكل كبير من خلال القصص واللوحات والتمثيليات المسرحية في قرون سابقة، حتى صارت مصدر خوف، لم يقلص منه انتشار أفلام الكرتون، التي اشتغلت على شخصية الساحرة كمصدر للخوف والرعب والريبة.
وأشارت باري إلى أن المناضلات من أجل حقوق المرأة الأميركيات والأوروبيات أعدن لها الاعتبار في ستينات القرن الماضي، حيث لم تعد المشعوذة تلك التي تفعل الشر وإنما هي ضحية للمجتمع الذكوري.
وما يثبت رجاحة وجهة نظرها أن المشعوذة شخصية متكررة في المخيلة المعاصرة، من خلال الحكايات والروايات والأفلام والأقنعة. أما نظيرها الساحر فلديه رمزية مختلفة عنها.
ومن هنا جاءت دعوة الكثير من الناشطات النسويات إلى التخلي عن صورة الساحرة، خاصة في ما يقدم من مواد تعليمية وثقافية وفنية للأطفال، لتجنب ترسيخ صور نمطية للنساء، أغلبهن كن مظلومات وتم إعدامهن في القرون الوسطى دون وجه حق، ومن ناحية أخرى فهذا ضروري لتجنب الأحكام المسبقة، حيث عادة ما يحكم الناس على كل ما هو مجهول أو غريب ومختلف بالشعوذة.
إذن المشعوذات كما تبين باري لسن سوى صورة خرجت من خيال ذكوري، كان يحاول تبرير كل مجهول أو غريب بأحكام دينية جاهزة، كما راحت الكثير من المهتمات بالعلم أو دراسة الطبيعة ضحية هذه التهمة، التي ما زال لها صدى حتى اليوم، إذ رغم التقدم العلمي الكبير اليوم ما زالت تهم الشعوذة تلقى ضد كل من هو مختلف.
تموز نت