صدر حديثًا عن دار كليوباترا للنشر والتوزيع رواية بعنوان “أيام ما كنا في الجنة” للدكتور أحمد مدين.
من أجواء الرواية:
مَن منا لا يريد العودة لصباه الجمـيل المحمل بالذكريات؟.. حتى يتألم مرتين ويفرح مرتين ويتعلم مرات.. حقا، جميل أن أعاود شريط عمري منذ البداية ثانية، حتى أعلمَ ما خبأ لي القدر وارتسم، وما اللحظات التي مرت في رمق والأخرى التي تمنيت إطـالتها وإطلالتها عديدًا؟!.
سريعًا امتطيت جواد الماضي وأمسكت بقلمي، وبدأت أكتب في صمت.. أتذكر ما آلَفُه، وأنسى ما أخشى تذكره حتى لا يثير رباطة جأشي، كان أمامي فنجان قهوتي ودخان سيجارتي الذي وإن سافر بعيدًا عني.. ذهب وطارت معه ذكرياتي، ومن ثَمَّ عادت وعاودت ارتطامها بوجهي لأكتبها وتغشى عيني، وتأبى النظر للحاضر والمستقبل دون الماضي.. وحقًّا، إنه مع كل دائرة دخان تنبعث أمامي، تزداد معها أبخرة ذكرياتي وهالات ابتساماتي وندى عيني يعتريني أحيانًا.. رشفت من فنجان قهوتي في ضجر وعبست عيناي، وتلفتُّ بنظرات عجاب حتى وجدت نفسي أمام مشهد يوم مولدي.. كأني حقّا أولد مرة أخرى بتلك اللحظة.. كتبت بباب الورقة “بـسم الله الرحمن الرحيم.. مشهد مولود”.
يوم – ليس كمثل أيام الشتاء – السماء زاخرة بالسحب الثقيلة، الليلة قارصة ينهـال بردها كالسياط على البشر، والأمطـار الغزيرة كالسهام تتساقط من السماء الملبدة بالغيوم.. وهناك يختبئ الناس داخل منازلهم يشاهدون هطول الأمطار من مربعات النوافذ لعلها تهدأ قليلًا، ولكنها تزداد شيئًا فشيئًا.. كاد صمت الشتاء يقتلني، ويخيفني السواد الحالك.. وهذا يفسر ارتجافي المستمر اللا إرادي.