في رصد لظاهرة الجنون عند الأدباء، التي تتماشى إلى حد كبير مع مصطلح “عقلاء المجانين”، صدر حديثا عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال بمراكش ومركز “عطاء للبحث في اللغة وأنساق المعرفة”، مؤلف جماعي يحمل عنوان “خطاب الجنون في التراث العربي والغربي.. مقاربات لغوية وثقافية”.
ويجمع هذا الكتاب، الذي يقع في 293 صفحة من الحجم المتوسط، فضلا عن جرأته واختياره الاجتهادي، دراسات علمية تتطارح أكاديميا خطاب الجنون بمقاربات لغوية وثقافية يؤطرها منهج علمي يضمن الناقش والإضافة للإحاطة بالمسألة من العديد من النواحي.
ويتضمن الكتاب دراسات قيمة موزعة على أربعة محاور، وهي المقاربة الأدبية، والمقاربة اللسانية النفسية، والمقاربة السوسيولوجية والفلسفية، والمقاربة الدينية والقانونية.
ويتجاوز الكتاب التعاطي الضيق مع الموضوع، حيث وظف في نطاق واسع العديد من وسائل النظر التي تكاملت كشفا للقضايا المختلفة لخطاب الجنون.
ولم تنوّع هذه الدراسات فقط على مستوى مقارباتها، بل مزجت بين العرض النظري والتحليل التطبيقي للنصوص والبحث الميداني القائم على الاستجواب والمقابلة.
كما أن هذه الدراسات اتسمت بطرافتها وجدتها، حيث عملت على إبراز جملة من الجوانب التي كانت مغفلة أو غير مطروقة في الموضوع مثل العاشقات/ المجنونات، العلاقة بين الجنون والصمت، المدخل السيميائي في تحليل خطاب الجنون، الجنون وتلقي الأدب، البحث المعجمي المقارن في دلالات الجنون، وغيرها.
وفي تقديمه لهذا الكتاب، أوضح أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب بجامعة القاضي عياض بمراكش، عبداللطيف عادل أن “هذا الكتاب وهو يقارب موضوعه، استثمر ما تراكم معرفيا حول خطاب الجنون في التراث العربي الإسلامي وفي الإسهامات الغربية”.
وأضاف أنه “باستحضاره للمنجز في هذين السياقين، يكون الكتاب قد قدم تأطيرا علميا متكاملا لقضاياه، وتمثلا وافيا لما رصده هذان الرافدان الثقافيان”.
وأشار عادل إلى أن الكتاب يزاوج في استدعاءاته المعرفية بين الجانبين العربي والغربي، فكما يستحضر قيس بن الملوح وجميل بثينة يستحضر الفيلسوف الهولندي إيراسموس، وكما يستحضر العاشقتين العربيتين ليلى وورد، ويتطرق إلى العاشقتين الغربيتين ديدمونة وأوفيليا، ويذكر أيضا جبران خليل حبران وميشيل فوكو، وكما يبرز سمات الجنون التي أوردها الخطاب القرآني، ويتابع خطاب الجنون في القانون المقارن. وخلص إلى أن “الكتاب يشكل، بجهد الباحثين فيه، إضافة علمية جادة تغني النظر إلى الجنون وخطاباته المبدعة في الفن والفكر والأدب”.
أخيرا، إنَّ الكتاب يشكل، بجهد الباحثين فيه، إضافة علمية جادة تغني النظر إلى الجنون وخطاباته المبدعة في الفن والفكر والأدب.
ويبقى الجنون خاصية من خواصّ التميُّز والتحفيز في الطبيعة البشرية ، فيقول عبداللطيف عادل بهذا الصدد:”فنحن في حاجة إلى جنون الحب للحفاظ على النوع، ونحن في حاجة إلى هذيان الطموح لضمان سير جيد للنظام السياسي”.