رأى الكاتب والمحلل السياسي الكردي, بير رستم, أن زيارة وفد من الائتلاف السوري المعارض برئاسة نصر الحريري, جاءت لإعادة ترتيب بعض الأوراق, بعد أن انكشفت “الانتهاكات الممنهجة في مناطق الاحتلال التركي وبالأخص في المناطق الكردية”.
وأضاف رستم, في حديثٍ خاص لـ تموز نت, أن تركيا عرفت كيف تخطط لهذه الزيارة وتستثمرها لأهدافها ومصالحها, مضيفاً “للأسف نجحت فيها لحد بعيد”.
وأوضح رستم أن الهدف من توقيت الزيارة هو لـ “إسقاط عدد من العصافير بحجر واحد”؛ فهي من جهة أشعلت الشارع الكردي وأججت الخلافات والانقسامات بين مؤيد ومعارض, إلى اتهام الإقليم والبارزانيين بالخيانة، كما إنها جعلت الكثير يفقدون ثقتهم بالقوى الوطنية الكردستانية وأيضاً هي محاولة في ضرب الحوار الكردي- الكردي وخاصة أن الحريري أدلى بتصريحات مسيئة للإدارة الذاتية وتحت قبة البرلمان الكردستاني ومن دون أن يتدخل أي قيادي لإيقافه والرد عليه في أقل واجب كان يجب القيام به وخاصةً أن الإقليم نفسه أحد رعاة الحوار الكردي- الكردي”.
واعتبر رستم أن “الائتلاف ومن خلفه تركيا تعيش واقعاً فيه الكثير من التعقيدات والخوف من القادم, وخاصةً مع الإدارة الأمريكية الجديدة وفريق بايدن الذي بدء يمارس بعض الضغط على تركيا مع تجاهل تام لمحاولات أردوغان بفتح قنوات الحوار معها”.
نص الحديث كاملاً:
– ما دلالات زيارة وفد من الائتلاف برئاسة نصر الحريري، لإقليم كردستان العراق, وعقد لقاءات مع قيادات المجلس الوطني الكردي، الإقليم؟.
بقناعتي الزيارة جاءت نتيجة حاجة عدد من الأطراف السياسية لإعادة ترتيب بعض الأوراق, ولا نريد أن نقول لـ”تلميع” بعض الوجوه أو القوى والأحزاب، وأول هؤلاء هو الائتلاف الوطني نفسه حيث وبعد أن انكشفت حجم الانتهاكات الممنهجة في مناطق الاحتلال التركي وبالأخص في المناطق الكردية وزيارة نصر الحريري الأخيرة لعفرين وحجم ردود الفعل في الشارع الكردي تجاه تلك الزيارة رفضاً وإدانةً حتى من بعض مؤيدي المجلس الوطني الكردي، فكان من الضروري الإسراع إلى جهة تسوقهم وتعيد لهم بعض “ماء الوجه” و”الرونق” أو “القبول” في الشارع الكردي.
واعتقد كلنا نعلم وقبلنا تركيا؛ راعية الائتلاف، بأن ليس هناك أفضل من إقليم كردستان والبارزاني لهكذا مهمة، طبعاً وبنفس الوقت هو نوع من إعادة تسويق أو لنقل تقديم دعم معنوي للمجلس الكردي الذي بات ومن خلال سياساته الضعيفة والمتخاذلة داخل الائتلاف يفقد التأييد في الشارع الكردي, وبالتالي كان يحتاج إلى بعض الترويج من قبل قيادة إقليم كردستان والبارزانيين لإعادة بعض القوة إن كان في حوارهم مع أحزاب الوحدة الوطنية لاستكمال الحوار الكردي- الكردي أو حتى داخل الائتلاف، كما أن لتركيا هي الأخرى حساباتها حيث هكذا زيارة وبهذا التوقيت أريد منها “اسقاط عدد من العصافير بحجر واحد”؛ فهي من جهة أشعلت الشارع الكردي وأججت الخلافات والانقسامات بين مؤيد ومعارض ومن وصل إلى اتهام الإقليم والبارزانيين بالخيانة، كما إنها جعلت الكثير يفقدون ثقتهم بالقوى الوطنية الكردستانية وأيضا هي محاولة في ضرب الحوار الكردي- الكردي وخاصة أن الحريري أدلى بتصريحات مسيئة للإدارة الذاتية وتحت قبة البرلمان الكردستاني ومن دون أن يتدخل أي قيادي لإيقافه والرد عليه في أقل واجب كان يجب القيام به وخاصةً أن الإقليم نفسه أحد رعاة الحوار الكردي- الكردي. وهكذا يمكننا القول؛ بأن تركيا عرفت كيف تخطط لها وتستثمرها لأهدافها ومصالحها وللأسف قد نجحت فيها لحد بعيد، رغم أن البعض حاول أن يسوق لها من خلال الادعاء؛ بأن الزيارة سوف “توقف الانتهاكات وتعيد المهجرين وتخرج الميليشيات وتجعل أبناء المنطقة يديرون مناطقهم”، وقد كتبت رداً توضيحياً على كل هذه الادعاءات ولا أريد أن أعيدها هنا مجدداً، لكن يمكنني الاستعانة بالمثل العفريني الذي يقال رداً على هكذا تخريفات؛ بأن “الدجاجة العمياء ترى الذرة في منامها”!.
– جاءت الزيارة بعد الاعلان عن عمليات لمكافحة الفساد والخلايا الارهابية في مناطق “درع الفرات و غصن الزيتون”، وإحداث تغييرات في الهيكلية العسكرية لتمثيل الفصائل العسكرية (٧ ممثلين من للجبهة الوطنية للتحرير و ٧ للجيش الوطن السوري، وممثلين عن فصائل أخرى)، والحديث عن تغييرات في الجانب السياسي، هل الزيارة لإقليم كردستان مرتبطة بالتغيرات التي ستطرأ على الائتلاف؟.
الائتلاف ومن خلفها تركيا تعيش واقعاً فيه الكثير من التعقيدات والخوف من القادم, وخاصةً مع الإدارة الأمريكية الجديدة وفريق بايدن الذي بدء يمارس بعض الضغط على تركيا مع تجاهل تام لمحاولات أردوغان بفتح قنوات الحوار معها حيث تجاهل الرئيس الأمريكي لرسائل أردوغان المتكررة بالتواصل معه، بل رفضت -أي أمريكا- حتى حضور مؤتمر أستانة بصفة مراقب، كما بعض التسريبات تقول؛ بأن هناك نوع من التفكير بإعادة هيكلة المعارضة وإخراجها من تحت المظلة أو الهيمنة الإخوانية التركية وبالتالي فإن تحرك تركيا ومن خلال ذراعها السياسي السوري -الائتلاف- هو نوع من تكويعة جديدة للبقاء ممثلاً عن المعارضة السورية بقناعتي, وذلك من خلال ترتيب بعض الأوراق والملفات؛ إن كان المتعلق بالفساد أو محاولة ضبط بعض الفصائل الميليشاوية التي ارتكبت الكثير من الانتهاكات في المناطق الكردية المحتلة وضمها لما يعرف بـ”الجيش الوطني” وهذه تحتاج إلى مباركة من طرف سياسي كردستاني وبالتأكيد لن يجدوا أفضل من إقليم كردستان لمنحهم “شهادة حسن السلوك” تلك وللأسف قد نالوها!.
– هل يعبر الحراك الأخير للائتلاف عن صراع إقليمي بين تركيا من جانب، ومصر والسعودية من جانب آخر، على ترتيب أوراق المعارضة السورية استعدادا لأي حل مستقبلي؟.
اعتقد إنني تطرقت إلى ذلك من خلال التنويه ولو بعجالة في سؤالكم السابق حيث قلت؛ بأن هناك تسريبات حول إعادة ترتيب صفوف المعارضة وإخراجها من تحت الهيمنة التركية الإخوانية وكلنا نعلم بأن لمصر والسعودية مصالحة بذلك, وللعلم الحريري نفسه كان “رجل” السعودية قبل أن ينتقل إلى تحت المظلة التركية -وذلك قبل أن ينتقل من تحت مظلة البعث والنظام السوري لصفوف المعارضة- ولا يستغرب عودة جديدة له لو مالت الكفة لصالح مصر والسعودية حيث أن أمثاله “يميلون البندقية” بحسب الجهة الدافعة، فمن يدفع أكثر يكون له الولاء ويبدو أن تركيا بدأت تدرك أن الأمور قد تخرج من يدها من خلال تدخل عربي دولي في تشكيل صفوف المعارضة وبالتالي فهي ستحاول أن تستبق الأمور بلملمة قواها في محاولة استباقية، كما قلنا، للالتفاف على هكذا مشروع سياسي وذلك من خلال أخذ الدعم من بعض الأطراف وبالتأكيد سيكون للصوت الكردي دوره في منح بعض المصداقية لائتلافهم الإخواني.
– هل ستؤثر لقاءات الحريري مع قيادات المجلس الوطني الكردي على الحوار الكردي الكري بين الاحزاب الكردية السورية؟.
لا شك أن هذه واحدة من أهداف الزيارة، ليس فقط للحريري والائتلاف، بل وقبلهم تركيا وقد رأينا أن قياداتهم وعلى لسان أكثر من مسؤول صرح بأنهم ضد ذاك الحوار ووصل الأمر بوزير الخارجية التركي “أوغلو” لأن يقول؛ أن أي اتفاق بين المجلس الوطني والإدارة الذاتية مرفوض من قبلهم ويجعل المجلس مستهدفاً من قبل تركيا!. وهكذا فإن أحد أهم الأهداف هو محاولة عرقلة ذاك الحوار وعدم انجاحه، كون نجاحه يعني سحب الورقة الكردية من يد تركيا والائتلاف الإخواني في متاجرتهم بها, ويجعل الكرد قوة سياسية ثالثة فاعلة على الخارطة السياسية السورية إلى جانب كل من النظام والمعارضة السورية وبالتالي جعل الملف الكردي أحد أهم الملفات السياسية في أي حراك سياسي قادم، إن كان في هيئة المفاوضات أو غيرها من المؤتمرات وليس ملفاً هامشياً ملحقاً، كما هو الحال مع المجلس وحضوره ضمن وفد الائتلاف الوطني السوري.. وهكذا فإن قضية الحوار الكردي ونجاحه يشكل مفصلية مهمة في الحراك السياسي الكردي وتدرك تركيا والائتلاف خطورتها ولذلك تحاولان وبكل السبل افشالها، لكن الجيد بالأمر؛ أن نجاح ذاك الحوار لا يتوقف على إرادة هؤلاء، بل مرتبط بالمصالح الأمريكية وجديتها في إنجاح أو إفشال الحوار وقبلها على إرادة شعبنا وقواها السياسية ونخبها الوطنية ومن خلفهم تحرك الشارع الكردي وذلك بالضغط على الأطراف الرئيسية لإنجاح ذاك الحوار والوصول إلى تفاهمات بأقرب وقت ممكن كي نقلل من نزيف خسائرنا.
– هل هناك قبول في الشارع الكردي للائتلاف الذي يتبنى الفصائل التي اجتاحت المناطق الكردية؟.
أعتقد لو تابعنا صفحات التواصل الاجتماعي وحجم التهجم من الشارع الكردي -لا أقول الآبوجي- بل عموماً على الائتلاف والميليشيات التابعة لها لأدركنا حجم الرفض له بحيث حتى مؤيدي المجلس الوطني والذي هو جزء من الائتلاف نفسه لا يقدرون الدفاع عنه وذلك نتيجة حجم الانتهاكات والممارسات الفظيعة التي ترتكب بيدي تلك الميليشيات في المناطق الكردية التي تحتلها بقوة وحجم التدخل التركي.. وقد خسر المجلس نتيجة ذلك الكثير من قوته في الشارع الكردي، كونه يتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن تلك المآسي والكوارث بحكم إنه جزء من الائتلاف، كما سبق وقلنا، وقد كانت هذه واحدة من السياسات الغبية لتركيا والائتلاف وأتت لصالح الفريق الكردي الآخر -ونقصد الإدارة الذاتية- بحيث جعلت الأخيرة تؤكد للشارع الكردي؛ بأن عداء أولئك ليس لهم فقط وإنما للكرد عموماً وإلا كانوا أعطوا قيادة تلك المناطق لقيادات المجلس الوطني كطرف سياسي كردي ضمن الائتلاف، أو على الأقل جعلهم شريكاً فاعلاً في إداراتها، ووقتها كان المجلس ومن خلفها الائتلاف وتركيا كسبوا ربما نصف الشارع الكردي تأييداً لسياساتهم، لكن حجم الحقد والكراهية جعلتهم يتعامون عن إدارك رؤية واقعية سياسية تخدمهم، لا أن تخدم الفريق السياسي الخصم. وبالمناسبة دائماً الأنهار تجري لمصابها حيث وكما الطبيعة تحدد مسارات تلك الأنهار، فإن الطبيعة الأخلاقية لدى البشر هي الأخرى تحدد السلوكيات والمنهجيات السياسية.