رأى الخبير الروسي, فرهاد باتييف, أن في سوريا هناك نوعاً من التقاسم بين القوى الخارجية المتواجدة فيها, وفي تلك المناطق التي يسطرون عليها وضعوا أسس لنظامهم في سوريا المقسمة.
وأضاف باتييف متسائلاً: “متى يكون الانسحاب فعلياً؟. عندما يحدث اتفاق بين بعض تلك القوى المتنفذة والمتواجدة في سوريا وتنسحب في مقابل أن يملئ طرف مسيطر آخر تلك البقعة الجغرافية مقابل شيء غير معلوم أو ربما مقابل مكان آخر خارج سوريا, وبذلك الطرف الآخر يحل محل الطرف المنسحب بشكل دائم كما حدث في عفرين”.
عندما لا يكون هناك اتفاق فإن موضوع الانسحاب يكون الهدف منه الابتزاز
وتابع باتييف قائلاً: “عندما لا يكون هناك اتفاق فإن موضوع الانسحاب يكون الهدف منه الابتزاز, ولسان حالهم يقول أننا سننسحب وأنظروا ماذا سيحل بكم. وهذا الابتزاز يمكن أن يمارس ضد الإدارة الذاتية والنظام أيضا. فعندما لا يتصرف النظام وفق السياسات الروسية يمكن أن تنسحب القوات الروسية من بعض المواقع وتسمح لقوى مثل إسرائيل أو أمريكا بضرب النظام, هذا نوع من الابتزاز. وما حدث في الشهباء (ريف حلب الشمالي المناطق التي يتواجد فيها نازحي منطقة عفرين والقوات الكردية) يشبه هذا النوع من الابتزاز, لأنه إذا كان الهدف الانسحاب وتسليمها لكانت تركيا أول من يرغب في السيطرة على تلك المناطق, حينها يمكن الحديث عن اتفاق وإن روسيا ستسلم تلك المناطق لتركيا لذلك ستنسحب منها. لكن ما حدث أن روسيا انسحبت وإيران حلت محلها. بمعنى أن الهدف هو ابتزاز وممارسة الضغط, ورسالة مفادها إذا لم تذعنوا لنا سننسحب من المنطقة بشكل كامل”.
رسائل موجهة للإدارة الذاتية وليس لأمريكا
وعن الرسائل التي يتضمنها الانسحاب الروسي من ريف حلب الشمالي (الشهباء) قال باتييف: ” يتضمن الانسحاب رسائل موجهة للإدارة الذاتية وليس لأمريكا, لأن روسيا تريد أن يكون لها الكلمة العليا على عموم شمال وشرق سوريا, وتنصاع لها الإدارة الذاتية كما ينصاع النظام لروسيا ويتحرك وفق رغباتها, لكنها لا تستطيع تنفيذ ذلك”.
واعتبر باتييف أن انسحاب القوات الروسية من الشهباء هو فرصة لإيران لكي تثبت تواجدها هناك, مضيفاً أن “إيران لا تستطيع أن تتمركز في مناطق تواجد القوات التركية. وإيران ترغب في توسيع مناطق نفوذها وانسحاب الروس يعتبر فرصة لإيران للتموضع هناك”.
روسيا تفعل أشياء غير متوقعة أحياناً
وأشار باتييف إلى أن الانسحاب الروسي بشكل كامل وإفساح المجال أمام تركيا سيضعها في موقفٍ لا تحسد عليها, وأضاف باتييف إن “روسيا كدول ضامنة وقعت اتفاقاً بخصوص الشهباء, وإذا تم خرق الاتفاق وتسليم الشهباء لتركيا عندها ستكون روسيا دولة لا تفي بتعهداتها وضماناتها. وستسقط من عيون شعوب المنطقة والقوى الدولية, وستضع نفسها في موقفٍ لا تحسد عليه. ربما يقول البعض أن روسيا لا تهتم بما يقال عنها ولكن إذا لم يكن هناك اتفاق بخصوص عفرين, فإن اتفاقاً جرى بخصوص منطقة الشهباء لذلك الانسحاب بشكل دائم من تلك المناطق مستبعد واحتمال ضعيف”. واستدرك باتييف حديثه قائلاً “لكن روسيا أحياناً تفعل أشياء غير متوقعة. ولكن إذا نظرنا إلى الموضوع من جانب سياسة بعيدة المدى وكان الهدف جمع شمل سوريا عندها لا تستطيع روسيا أن تضع نفسها في مواجهة قوة كـ قوات سوريا الديمقراطية وإقصائها عن المشهد السوري.
وتابع باتييف “إذا قامت روسيا بإقصاء الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية عندها يجب أن تقف في صف القوى التي تريد إنهاء نظام الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية, وإذا وضعت نفسها في هكذا موضع, ستعايش ما عايشته القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان, وستتحول سوريا بالنسبة لروسيا إلى ساحة من هذا النوع. لذا هذا الخيار لا يناسب روسيا. واعتقد أنها ستسعى من خلال ممارسة الابتزاز والضغط لكسب نقاط وتراجع الإدارة الذاتية أمامها. لكن سياسة الابتزاز والضغط لها حدود وإذا تجاوزت حدودها عندها ستدخل مرحلة الضرر. وتسليم كل شيء لتركيا أيضاً لا يجوز, فتركيا أخذت مساحات واسعة من سوريا وروسيا تعرف ذلك جيداً والتوسع التركي في سوريا لا يخدم مصالحها حتى لو كان بهدف معاقبة الإدارة الذاتية فذلك لا يخدم مصالحها.