هل قصة حياتي حدثت بالفعل أم مجرد رواية خيالية؟، هل أنا حياتي حقيقية أم افتراضية؟، هل أنا أعيش حياة شخص آخر؟، ومن هو؟، كل تلك الأسئلة تثيرها رواية”بساتين البصرة” والتي صدرت لأول مرة عام 2020 عن دار الشروق المصرية، للأديبة والروائية المصرية منصورة عزالدين.
في “بساتين البصرة” والتي بلغت القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية , تلعب الأحلام دورا مهما في تشكيل النص وتكوين الشخصيات. فالرواية تأسست بنيتها من حلم مستقى من كتاب “تفسير الأحلام” لمحمد بن سيرين، كما أن الحلم يعانق هشام خطاب، فيختلق شخصية يزيد بن أبيه لتصبح قرينا له، وهي ليس لها وجود مرجعي إلا أن المؤلفة نجحت في جعلها مرجعية بربطها بشخصيات تاريخية مثل الحسن البصري وواصل بن عطاء وبشار بن برد، وأحداث مهمة كالمحنة التي مر بها واصل. وعبر الحلم تنقسم الذات على نفسها، حيث – في الأصل – تفتقد لمفهوم الهوية الشخصية، فالشخصيات واقعة في متاهة بين حاضرها وماضيها، بين هويتها المتأزمة وهوية الآخرين.
لا تقف أهمية رواية “بساتين البصرة” عند إحلال الروائي محل المؤرخ وفقط، وإنما تتجاوزها إلى توظيفها للكثير من جماليات القص ما بعد الحداثي، فهذه الرواية، كسائر أعمال منصورة عزالدين، تنتمي – بتعبير رولان بارت- إلى النصوص الكتابية؛ حيث التشظي وتفتيت الحدث على مدار بنيات النص، والاعتماد على بنية الحلم، وارتباطها بفعل الذاكرة (التي هي ظل النار)، وكذلك إحلال القارئ كمشارك في عملية التجميع والتأويل، إذ يتجاوز دوره كمتلق يأتي إليه النص وهو خارجه، إلى مشارك فيه، أي منتج للنص الحقيقي بتعبير ستانلي فيش، بإحداث العلاقات والقيام بتجميع النص كقطع البازل، والأهم هو التأويل.
كما تنقل لنا الرواية صورة للمثقف المتناقض، الذي يؤمن بأفكار ويعيش على نقيضها، فمالك ابن عدي ينساق إلى الشهوة على حساب العقل، والأستاذ الزنديق يعيش حالة من التناقض بين انفتاحه الفكري وتشدده الاجتماعي.
لا يخفى على قارئ النص أن المؤلفة لم تتحامل على الرجل وقدمت صورة مشوهة عنه، بتأثير النسوية، لصالح المرأة، فعلى العكس تماما، تشاطر الرجل والمرأة على حد سواء الصورة المشوهة، فجاء الرجل منساقا وراء غريزته (الجسد/ المال؛ كما في شخصيتي مالك النساخ ويزيد بن معاوية)، ومضطربا نفسيا (هشام) ومتناقضا (الزنديق) وغير مسؤول (الأب) وسلبيا (والد ليلى)، في حين جاءت المرأة في صورة المغوية (مجيبة) والمستبدة التي رفضت أن تكمل ابنتها تعليمها (أم ليلى) والشاكية المتبرمة (ليلى) والمقلدة (ميرفت).