يقول بهروز قمري مدير الدراسات حول إيران والخليج، في جامعة برنستون في كتابه “قافلة الإعدام.. مذكرات سجين في طهران”:
“متُّ في السابعة والنصف من صباح 31 ديسمبر 1984، لا أقول ذلك مجازاً، وإنما بالمعنى الحقيقي للوجود، في تلك اللحظة تماماً، وضعت قدماً في العالم الآخر مع توقيع متردّد ذيل قرار الإفراج، أوضح لي الحارس أن الخطوط الضبابية التي لمحتها من تحت عصبة العينين كانت لإطلاق سراحٍ مشروط لظروف صحية، وكان يجب إعادة جسدي إلى السجن لإصدار القرار الرسمي، استغرق الأمر مني بضع سنوات لأدرك أنني متّ فعلاً في ذاك الصباح الباكر، لا علاقة لهذا بإثم النجاة ولا بثقل تفاهات الحياة، تركت خلفي النَّفْس التي عرفتها دون أي محاولة دنيوية لاسترجاعها.
ويضيف بهروز قمري: يحدث الموت تدريجياً، يلتهم جزءاً صغيراً من الحياة كل مرة، بتوقيع إطلاق السراح ذاك، سلّمت ببساطة أنني بدّدت أجزاءً كثيرة من حياتي، أي تجاوزت العتبة، كان عليّ، بعد ثلاث سنوات قضيتها في زنزانة المحكومين بالإعدام، أن أغادر سجن إيفين السيئ السمعة في طهران مع جسد منهك بالسرطان، السجن الذي وقف قادة الثورة المبتهجون عند بواباته قبل بضع سنوات فقط، متعهدين تحويلَه إلى متحف يشهد على فظاعات الماضي، “في إيران”، صرحوا في ذاك المساء البارد من فبراير 1979، “لن يكون هناك المزيد من السجناء السياسيين”.
ويتابع: باتت الأصوات الصاخبة التي دعت في انسجام لإنهاء الملكية تعلو اليوم متنافرة، ادعى كل من الشيوعيين، والاشتراكيين، والتحرريين، والقوميين، والنساء، والعمال، وطلاب الجامعات، والأقليات الدينية والإثنية، وأيضاً موظفي الثورة الشباب، ورجال الدين الشديدي الحذر، بثقة مطلقة، أنهم يحملون المعنى الحقيقي للثورة، حوّل التعطش إلى السلطة الأصدقاء إلى أعداء، والثوار إلى موظفي أمن، والسجناء إلى محققين، وقادة المجتمع إلى جواسيس، وأفراد العصابات المدنيين إلى قتلة، والمعلمين إلى شرطة أخلاق، والطلاب إلى مخبرين، وكذلك المحادثات الودية إلى شجارات غير قابلة للحل، شهدنا بعيونٍ مترقبة جدران السجن تعلو وتزداد خلفها فظاعة الأعمال الوحشية.
تموز نت