رأى الباحث السياسي, والمستشار السياسي السابق بوزارة الخارجية الفرنسية، مناف كيلاني، إعلان وزير الدفاع التركي خلوصي اكار، وقوف بلاده “إلى جانب أشقائنا الأذربيجانيين في الدفاع عن أراضيهم”, واستخدامه لمصطلح “أشقائنا” ذريعة للتدخل في شؤون الأخرين.
الظهور كمدافع عن الأشقاء له فوائد إعلامية ويشكل أوراق مقايضة
وتابع كيلاني, في حديث خاص لـ تموز نت, إن “عبارة /أشقائنا/ يمكن أن يستعملها أي وزير أو مسؤول كبير في الحكومة التركية عندما يتعلق الأمر بالتذرع بعلاقات تاريخية للتدخل في أية مسألة تمس السياسة الداخلية أو الخارجية لأية دولة أو شعب. فهذه العبارة تستخدم تجاه ليبيا والليبيين, وسوريا والسوريين, ومع الروهينغا في بورما و الأمثلة عديدة.
وأشار كيلاني, إلى التوزع الديمغرافي والمذهبي للشعب الأذري قائلا: أن “الشعب الآذري موزع بين دولتين جارتين لبحر قزوين ولأرمينيا، هما أذربيجان وإيران، وأن العلاقات الإيرانية- الأرمنية هي أشد صلابة و تماسكاً من العلاقات الإيرانية-الآذرية, ورغم الأصول المشتركة مع باقي الشعوب ذات الجذور التركية، يدين أغلب شعبها (أذربيجان) بالعقيدة الشيعية، ولكنه ما زال متعلقاً بأوهام التضامن /التركي/ الذي تلوح به أنقرة في سعيها لبسط نفوذها على دول آسيا الوسطى”.
وأضاف كيلاني, أنه “مع النجاحات المتفاوتة نظراً للماضي السوفييتي لهذه الدول، وللخطوط الحمراء التي رسمتها موسكو الراغبة في المحافظة على مركزها كراعٍ للسلم و الأمن في آسيا الوسطى. تبقى الحكومات التركية المتعاقبة، أياً كان لونها و خطابها، تسير على نوع من العقلانية والواقعية السياسية بأن ما يجمعها مع شعوب آسيا الوسطى هو أقل بكثير مما يفصلها عنها. ولكن كل فرصة للظهور كمدافع عن /الأشقاء/ لها فوائدها أولها إعلامية، وثانيها للحصول على أوراق مقايضات جديدة في ملفات أكثر أهمية تجمع موسكو و طهران و أنقرة”.
علاقات أنقرة مع يريڤان تتبع خطأً موازياً لتأرجحات العلاقات التركية الروسية
وأوضح الباحث السياسي مناف كيلاني، أنه “ليس في نية أية حكومة تركية، وإن كانت تتحدث عن علاقات /أخوية/ تربطها بأذربيجان أو غيرها، فتح ملف مذابح الأرمن من جديد، وإن كان ما زال عالقاً، على غرار ملف الاحتلال التركي لشمال قبرص”, مضيفا “من المعروف بأن استمرار وجود الدولة الأرمنية لم يكن ليتم دون الدعم الكامل الذي تقدمه موسكو، وأن علاقات أنقرة مع يريڤان تتبع خطأً موازياً لتأرجحات العلاقات التركية الروسية، وأن حدود تركيا مع أرمينيا تبقى خطًا أحمراً لا يمكن اجتيازه دون أن يحصل صدام مباشر مع القوات الروسية، و هذا ليس في رغبة أنقرة و لا في مقدرتها، و في هذا الملف تحديداً تظهر واقعية الإدارة التركية الغير راغبة في إغضاب جيرانها ومن بينهم روسيا والأوروبيين وإيران علاوة على الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك رغم التصريحات الحماسية لهذا المسؤول أو ذاك”.
الإدارة التركية التي تود التخلص من “المتطوعين” من سوريين وغيرهم ممن أصبحوا عبئاً عليها
واعتبر كيلاني, أن تركيا لا تبالي بما يقال وستستمر في إرسال “ما يسمى /بمتطوعين/ تسميهم /أتراك/ لمساندة /الأشقاء/؛ الذين سيكونوا ورقة ضغط جديدة في الملفات الأخرى العالقة التي تهم أنقرة أكثر بكثير من النزاع الآذري-الأرمني حول منطقة ناغورني كرباخ. طبعاً، إن كان هؤلاء /المتطوعين/ – من سوريين و غيرهم – ممن أصبحوا عبئاً على الإدارة التركية؛ التي تود التخلص منهم وذلك بزجهم في معارك خاسرة دون أمل في العودة إلى أوطانهم الأصلية، فلا بأس في ذلك. ففي النهاية، لن يقاتلوا تحت العلم والزي العسكري الرسمي التركي, ولن تكون هناك أية مسؤولية رسمية يمكن أن تلقى على عاتق الحكومة التركية في /اختفائهم/”.
أنقرة ترغب في الحضور في جميع الملفات الممكنة، قريبة كانت أو بعيدة لتحصل على شطر من الكعكة
وفي ختام حديثه قال كيلاني: أن “الهاجس الوحيد للحكومات التركية المتعاقبة منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، هو المحافظة على حدود الدولة التركية التي لم تتغير سوى بضم لواء الإسكندريون. تبقى مسألة النفوذ التركي التي بزغت إلى الوجود مع ازدياد ما يسمى بالعولمة، و نقل العديد من الصناعات الأوروبية إلى تركيا مما أعطى للدور التركي أهمية اقتصادية متزايدة، ومن ثم ثقلاً سياسياً وعسكرياً (بفضل تحسين الصناعات العسكرية التركية), الذي يحسب له حساب سواء في واشنطن أو في موسكو أو في العواصم الأوروبية. ومن هنا رغبة أنقرة في الحضور في جميع الملفات الممكنة، قريبة كانت أو بعيدة، رغبة في الظهور بكل تأكيد، ولأن في كل ملف أو أزمة حتما “كعكة” ما، يمكن لتركيا أن تحصل على شطر منها و إن كان بسيطاً عندما يحين وقت الحلول والمفاوضات”.