دمشق – ضمن تنويعات إيقاعية وموسيقية أتت المسرحية الجديدة “استاند” للمخرج السوري محمد زكية إبرازا لفن البانتومايم، ومدى قدرته ومن خلاله قدرة الممثلين على التعبير في صمت، معتمدا في ذلك على فن الإيحاء والحديث بلغة الجسد مع سينوغرافيا بصرية متحركة وغرافيك مرافق للعديد من اللوحات الراقصة التي شكلّت مجمل العرض الذي قدّم على امتداد أربعين دقيقة، 8 لوحات بموضوعات مختلفة مثل: “فنان تشكيلي”، “ثورة النمل”، “مطلوب موظف”، “الإدمان على الإنترنت” و”الراقصة”.
وبحسب (العرب) فأن العرض أمّنه ثمانية من المؤدّين الهواة هم: مريانا حداد، وفيصل سعدون، ومادونا حنا، وعبير بيطار، وفراس سلوم، ووسام صبح، وحسام تكلة وبثينة ياسين، قدّموا جهدا استثنائيا من حيث التزامهم بآليات المسرح الإيمائي، مُستعيدين التقاليد والمفردات في مسرح البانتومايم عبر لوحات منفصلة، تنوّعت بين الإيماء الفردي والثنائي والجماعي بشكل تجريدي، مستعرضين قصصا بسيطة في ظاهرها لكنها عميقة في باطنها كلوحة “الإدمان على الإنترنت” التي تنتقد الهوس المفرط للشباب بمواقع التواصل الاجتماعي التي تسبّبت في إلهائهم عن حيواتهم الخاصة، فلم يفلحوا في الاثنين، أي في عالمهم الافتراضي والواقعي على السواء.
العرض الصامت انتقد بشكل كاريكاتيري عبر العديد من اللوحات المنفصلة والمتصلة أيضا سطوة السلطة على الحشود ورفض الأفراد ومن ثمة المجتمعات لها ولمرجعياتها الأيديولويجية التي تكبّل حرياتهم، فعبّروا من خلال الرقص والإيماء الإيحائي حينا والتجريدي في أحيان أخرى عن رفضهم للأفكار الرجعية والتسلطية بشتى أشكالها وتنوّع ممارساتها، مُعربين عن حقّهم في الخلاص من نموذج الفرد الواحد الذي لا يؤمن بالاختلاف والتنوعّ والتعدّد.
وعن أهمية العرض قالت مديرة المسرح القومي السوري سهير برهوم “من النادر تقديم عرض بانتومايم على المسارح السورية، وهذا ما دفعنا لتبني هذه الفكرة فوجوده يعطي التنوّع لعروض المسرح القومي ويشكل فرصة للجمهور للتعرف على هذا الفن” مبيّنة أنها حرصت على حضور كل بروفات العرض ومتابعة كل تفاصيله للوصول لأفضل نتيجة.
وتؤكّد برهوم أن المغامرة الحقيقية في العرض تأتي من خلال الاشتغال مع مجموعة من الشباب ممّن لا يملكون خبرة أو معرفة سابقة بفن البانتومايم، ولكن الثقة بالمخرج زكية مع اجتهاد الجميع مكّنهم من تجاوز الصعوبات والاستفادة من وجود مصمّم السينوغرافيا البصرية المحترف بسام حميدي ومصمم الغرافيك المهندس فراس قنوت.
وعن مسرح البانتومايم قال المخرج محمد زكية “هذا المسرح من أصعب أنواع الأداء المسرحي ومختلف عن سواه لكونه يعتمد على جسد الممثل في التعبير من خلال الإيحاءات التي تتواجد في اللوحة التي يؤديها حسب دوره، وهو فن له قواعده”، مشيرا إلى أن الممثلين الثمانية المشاركين استطاعوا امتلاك معرفة في فن البانتومايم التي عكسوها من خلال العرض.
والبانتومايم هو نوع من فن التمثيل الصامت المؤدّى من قبل فنان أو مجموعة فنانين على خشبة المسرح، بغرض التعبير عن الأفكار والمشاعر والآراء عن طريق الحركة الإيحائية للجسم فقط.
ويعود أصل كلمة البانتوميم إلى اللغة اليونانية، وهي مشتقة من كلمتين “بانتو” وتعني الانبهار، و”مايم” وتعني يقلّد، وبجمع الشقين تكون الانبهار من التقليد، لكن المتعارف أن من يؤدّي هذا النوع من الفن يسمى بـ”الفنان الإيحائي”.
يذكر أن “البانتومايم” له تاريخ طويل، حيث عرف في البداية مع المصريين القدامى فعندما كان الملك لا يحضر المعركة كان يقوم بهلوانات البلاط بالتمثيل الصامت أمام الملك ليشرحوا له المعركة، وذلك عن طريق تأدية حركات تقليد ورقصات بغرض التعبير، لكن هذا الفن عرف أكثر على أيدي اليونانيين الذين طوّروه وقاموا بتأديته على المسرح عن طريق عروض كبيرة ثم تتطوّر إلى استخدام الآهات، ولكن هذا النوع أثار استنفار الجماهير للأصوات المزعجة وعاد مرة أخرى إلى رونقه الصامت.
تموز نت