كشف مقاتل في ما يعرف بـ “جيش فاغنر” الروسي فظائع ارتكبها المرتزقة الروس في سوريا، وذكر في مذكراته كيف أنهم قطعوا رأس أحد الجنود في القوات الحكومية لترهيب بقية المجندين ومنع انشقاقهم.
ونجحت شبكة “ميدوزا” الإعلامية، في الوصول إلى مارات جابيدولين ونشر مقابلة مطولة معه، وذلك بعد الإعلان عن سحب الكتاب “مذكراته” الذي كان ينوي مارات نشره.
وقالت صحيفة الشرق الأوسط في تقرير لها إن التفاصيل المنشورة تعد أضخم تسريب لمعلومات أحيطت بكتمان لفترة طويلة.
وانضم جابيدولين إلى مجموعة “فاغنر” في بداية أبريل (نيسان) 2015. وبعد مرور أسابيع قليلة تم إرساله إلى سوريا ليتنقل في المناصب داخل الجيش من “جندي” إلى “قائد سرية استطلاع” خلال نشاطه في هذا البلد قبل أن يعود مصاباً بجروح خطرة إلى سان بطرسبورغ للعلاج، مما دفعه لاحقاً إلى التفكير بنشر “مذكراته” عن الحرب السورية.
وقد اعترف بأنه بعد تجاوز مرحلة الخطر “أردت أن أعيش بقية حياتي إلى أقصى حد. ونشأت حاجة أخرى علينا أن نقول للناس إن موضوع الشركات العسكرية الخاصة كان محاطاً بخداع كامل من جانب الجيش والسياسيين. العالم كله يعرف، وأنت تخفي الحقيقة عن شعبك”.
يقول عن انطباعه الأول أثناء التجهيز للسفر إلى سوريا: “أعجبني على الفور انفتاحهم ومباشرتهم. لم يخف أحد العواقب المحتملة – قالوا بصراحة: يا رفاق، أنتم متجهون إلى الحرب حيث توجد مصالح لدولتنا. استعد لحقيقة أنك ستواجه الموت هناك”. وأشار إلى أن الهدف الأول في سوريا كان استعادة السيطرة على حقول النفط.
وقبل الدخول في التفاصيل المتعلقة بآلية إدارة المعارك في سوريا، قال “الكاتب” إنه أراد من خلال كتابه أن يطلع يفغيني بريغوجين ممول مجموعات المرتزقة على حقيقة ما يجري داخل هذه المجموعات، “لعله يكون قادراً على إصلاحها”.
وزاد “انطلق من حقيقة أنه لا يعرف حقاً الكثير من الأشياء التي كانت تحدث في سوريا. تهافت المقاتلون بقوة في عامي 2015 و2016 وكان هناك من يقوم بسرقة الأموال من بريغوجين، فقط هو لم يرغب في الاعتراف بذلك. بطريقة ما كان لديه قناعة شديدة أنه كان يعمل بشكل جيد. لكن الحقيقة أن كل ما يجري كان مجرد سرقة، كانوا يشترون معدات لا تعمل، ولم يخدعه فقط أمراء الحرب هناك (في سوريا) فقد خدعه أقرب مساعديه”.
وأشار جابيدولين إلى “دافع آخر” لوضع الكتاب، تمثل في الكشف عن أهوال ارتكبت في سوريا، وزاد في إشارة إلى بريغوجين “دعه يدوس علي – الشيء الرئيسي بالنسبة لي هو أنه يعود إلى رشده، بحيث يدفعه الكتاب للإصلاح، لأنك لا تستطيع أن تنجرف في السرية: لماذا تغطي رأسك في كومة تراب بينما العالم كله يعرف؟ الآن، وبسبب بعض الحمقى الذين التقطوا مقاطع فيديو وهم يطرقون بمطرقة ثقيلة أجساد هاربين (من الخدمة العسكرية في الجيش السوري) ويقطعون رؤوسهم بات الجميع يظن أن الشركات الخاصة مجرد غيلان متعطشة للدماء”.
وكشف جابيدولين أن قائد المجموعات العسكرية الخاصة ديمتري أوتكين (الذي يحمل لقب فاغنر الذي انسحب على المجموعة كلها) “هو الذي حثهم على القيام بذلك، من أجل ترهيب الفارين الآخرين المحتملين من الجيش السوري. وكما قيل لي، فقد أمر أيضاً بتصوير الفيديو ورفعه على الإنترنت حتى يتمكن كل عناصر الجيش السوري من مشاهدتها”.
وفي جانب آخر، أشار المرتزق الروسي إلى عمليات نهب للآثار جرت بعد السيطرة على مدينة تدمر، وقال: في “تانكودروم” (قاعدة جوية) على سبيل المثال، كانت هناك أحجار قديمة أخذناها من تدمر – ومع ذلك، لم يكن هذا ذا طابع جماعي. ذات مرة كنت أشغل غرفة حيث وجدت قطعة عليها نقش بارز على رف. أعتقد أنها المنصة العلوية لأحد الأعمدة المتكسرة – وهناك تمت كتابة بعض العبارات.
وفي لفتة أخرى، أشار إلى وجود مقاتلين من صربيا في صفوف “فاغنر” في سوريا، كما تحدث عن مستوى الفساد المستشري داخل المجموعة: “أخذ بعض القادة لأنفسهم ما يصل إلى نصف المكافآت المخصصة للفرقة، والباقي – الفتات – تم توزيعه على المقاتلين”.
وكشف جانباً من تفاصيل معركة تدمر الأولى: “بعد الاستيلاء الأول على تدمر، امتلأت المستشفيات في كل من حميميم وروسيا بجنودنا. سأل الأطباء: إذن من يقاتل، الجيش أم الشركات العسكرية الخاصة؟ (…) اتخذت الجريمة أشكالاً من هذا القبيل حتى أننا حصلنا منذ بداية عام 2017 على أسلحة منخفضة الجودة. كان الأمر مثيراً للاشمئزاز تماماً، فأنت تعلم أن مواطنيك يخوضون معركة – لذا أمنحهم ما يحتاجون إليه حتى يظل المزيد من الرجال على قيد الحياة”.
وزاد أنه إذا لم تسيطر قوات فاغنر على الممر بالقرب من تدمر ولم تدخل المطار المحلي، لكان من المستحيل على الجيش السوري والقوات الروسية الداعمة له الاستيلاء على المدينة. وفي أحد المواقع وصف الجيش السوري بأنه “مؤسسة مترهلة وليست قادرة على شيء”.
وتطرق إلى إرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا، موضحاً أنه “في وقت لاحق، في عام 2019. تم تسلم أمر بإرسال السوريين من سربنا من (صيادي داعش)”، إلى ليبيا على وجه السرعة، عندما وصلوا إلى هناك، جاءت مكالمة من الرائد: “اسمع، ولكن أولئك الذين أرسلتهم، هل يمكن استخدامهم كمفجرين انتحاريين؟”. وأعرب عن دهشة بسبب السؤال.
وفي توضيح لدور “صيادي داعش”، قال المقاتل السابق إن “هذه كتيبة مجندة بالكامل من السوريين، في 2018 وأوائل 2019 عملت مستشاراً لهذه الكتيبة ودربتها. قبل ذلك تظاهر (الصيادون) بأنهم منخرطون في اشتباكات حقيقية: تم الترويج لـ(مزاياهم) القتالية على (تويتر). لكن في الواقع كانت تلك دعايات إعلامية فقط، وتم تصويرهم في الأماكن التي سيطرنا عليها للتو بالفيديو والصور، التي ظهرت بعد ذلك على الشبكات الاجتماعية”. كان الهدف أن يظهر للعالم أن «بعض الوحدات السورية وليس شركة عسكرية خاصة روسية تقاتل (داعش)”.
وأوضح أنه “في عام 2017 عندما أخذنا تدمر للمرة الثانية، ظهر (الصيادون) فجأة من الخلف وقاموا بالتصوير. كنا قد أنجزنا العمل ووصلنا إلى المطار ولم يأتوا إلا لالتقاط صورة. جميل: أتذكر أنه كانت هناك طلقات، وكيف كانوا يتبعون طريق دباباتنا”.
وقال إن أسوأ معاركه كانت “ليلة 8 فبراير (شباط) 2018 على نهر الفرات (الضربة الأميركية على رتل فاغنر قرب دير الزور). لأنني شعرت بالعجز. من يقاتل؟ أنا لم أرَ هذا الخصم! كان العدو هو الطائرات المروحية الأميركية. في ذلك الوقت كان لدي مدفع رشاش قصير، مخصص للقتال المباشر، لكن حتى لو كان لدي سلاح آخر، فلن أحصل على هذه المروحية. كنا عاجزين عن مواجهة شيء غير معروف سيطير الآن ويحطم رأسك”.
اللافت أنه رأى أن الخطأ الذي تسبب في مقتل أكثر مائتي مقاتل من غافنر في ذلك اليوم يقع على عاتق القوات النظامية الروسية لأنها عبر خطوط الاتصال مع الأميركيين أصرت على “عدم وجود جنود روس في الموقع”.
وفي موقع آخر من “المذكرات” يتحدث الكاتب الذي كان يسمي نفسه مارتين في سوريا، عن تجنيد مقاتلين سابقين في “داعش”، وزاد أنه تم إرسال أسرى من تنظيم “داعش” في بعض المواجهات، ويقول إنه شاهد كيف قام ديمتري أوتكين شخصياً “بتجنيد” هؤلاء السجناء.