أفادت تقارير صحفية أن العديد من الشباب السوريين يواصلون التوافد إلى لبنان المجاور هربا من الخدمة العسكرية “الإجبارية”، وهي إلزامية للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 عاماً.
وعلى الرغم من بدء عودة بعض السوريين إلى المناطق التي استرجعتها قوات الحكومة السورية، إلا أن الشباب يتفادون ذلك، خشية اعتقالهم بصفتهم هارِبين من الخدمة العسكرية، وفقاً لتقرير موقع أوريان 21.
وتُمنح الإعفاءات من الخدمة العسكرية لأسباب طبية، ولابن الأسرة الوحيد (حتى لو كان لديه أخوات)، وأيضاً الطلاب، الذين يمكنهم تأجيل أداء خدمتهم العسكرية إلى غاية تخرجهم. بيد أن النظام منع تكرار السنة النهائية من الكلية أكثر من ثلاث مرات، منذ أن أدرك أن الطلاب يفشلون عمداً بغرض تأجيل وقت التحاقهم بالجيش.
حيلةٌ يعرفها مهدي جيداً. لقد كرّر هذا الدمشقي، ذو الـ 26 ربيعاً، عامه الرابع في الهندسة المعمارية من أجل “ربح الوقت”، حسب تعبيره، قبل الذهاب إلى البلد المجاور، حيث لا يتصور أي مستقبل له أو لمواطني بلده، إذ يواجه لبنان أزمة اقتصادية ومالية فاقمت منها الإجراءات الصحية المتخذة لمكافحة كورونا.
“لقد غيّر العام الماضي كل شيء. كان لدي عمل، وكنت أكسب أجراً جيداً في انتظار أن أتمكن من المغادرة إلى أوروبا. الآن ليس لدي ما يكفي من المال لأعيش من يوم إلى آخر، لذلك من العبث التفكير في السفر”، يقول مهدي متأسفاً، ثم يُضيف أنه، حتى قبل الأزمة، كان يعاني من العنصرية والتمييز بشكل يومي.
واعتباراً من عام 2015، منع لبنان تسجيل “اللاجئين” الجدد لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة، فإن أقل من ربع السوريين المقيمين في لبنان في عام 2019 يتمتعون بوضع قانوني.
إذا نجح بعضهم في الحصول على تأشيرة طالب أو على الإقامة لأن أفرادا من أسرهم يحملون الجنسية اللبنانية، فإن آخرين يخضعون لنظام الكفالة، على غرار رابح الذي يرى أن هذا الوضع يعرضه لمزاج الكفيل اللبناني المتقلب ويقيّد من حريته. يصرّح رابح: “أريد أن أعيش في مكان تُحترم فيه حقوقي”، متألماً من عدم توفره على جواز سفر، كما هو حال العديد من الفارّين من الخدمة العسكرية والذين يتجنبون المؤسسات السورية -خاصة السفارات- كتجنب المرء للطاعون.
ورداً على سؤال حول إمكانية عودته إلى سوريا، يردّ رابح بشكل قاطع أن قدماه لن تطآ مجددا بلده الأصلي، طالما أن الخدمة العسكرية إلزامية وأن الطريقة الوحيدة لتفاديها هي ضريبة الإعفاء “بدل”. وتتراوح قيمة “بدل” المشتقة من كلمة “بديل” بين 7 و10 آلاف دولار أمريكي، وتعتمد قواعد تطبيقها على مزاج المسؤولين ومدى ميلهم للارتشاء.
هذا المبلغٌ يكاد أن يكون مستحيلاً بالنسبة لمعظم الشباب السوريين في لبنان الذي بات أكثر من نصف سكانه تحت عتبة الفقر منذ العام الماضي. بيد أن المسألة بالنسبة لرابح هي أيضاً قضية مبدأ: “لا أريد أن أدفع (مالاً) للحكومة لأنهم يستعملونه في اقتناء الأسلحة ولقتل الناس”. ونحن على أبواب الذكرى العاشرة لبداية الصراع في سوريا، وصل عدد القتلى 387 ألف شخص، من بينهم 117 ألف مدني.
وبدأت السلطات اللبنانية منذ عام 2017، بالضغط على نظام دمشق للبدء في إعادة اللاجئين. وبالفعل، سمحت عمليات الإعادة “الطوعية” نصف الشهرية، بين إبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول 2019، بعودة 10 آلاف لاجئ إلى سورية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس”. بيد أن تقريراً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، صدر خلال نفس السنة، كشف أن هؤلاء اختاروا العودة “نتيجة للسياسات القاسية والظروف المتدهورة في لبنان”.