تنتمي رواية “قارئة القطار” للكاتب المصري إبراهيم فرغلي الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية قبل أيام، إلى الأعمال المُنعشة للمخيّلة والمشحونة بالانطلاق نحو فضاءات التحرّر.
في عمله الجديد، يواصل فرغلي (54 عاما) التكريس لملامحه الخاصة كواحد من أدباء جيل التسعينات البارزين، حيث يمضي قدما في تأصيل تجربته القائمة على كسر التسلسل الزمني الطبيعي، ودمج الفعلي الملموس والأسطوري الغرائبي، والخلط المثير بين مسارات المشاهد المنطقية المحبوكة وفضاءات الأحلام والأوهام التي لا سقف لها، ورسم شخوص يتنقلون بأريحية بين الحقيقي والفانتازي، ويتأرجحون بسلاسة بين الواقعية والعوالم السحرية العجائبية، وتتفاوت تصرفاتهم وتصوراتهم بين التعقّل والجنون.
في “قارئة القطار”، التي تمتد على 255 صفحة، ينشغل صاحب روايات “كهف الفراشات” و”ابتسامات القديسين” و”جنية في قارورة” و”أبناء الجبلاوي” و”مفتاح الحياة”، بالدلالات المختلفة للارتحال، فالسفر لا يكون فقط بالتنقل من مكان إلى آخر، لكن هناك أيضا الإبحار الداخلي في الذات، واستكشاف الآخرين بالغوص في أعماقهم، إلى جانب الحركة المتوترة عبر خارطة الزمن، واستثمار التاريخ المنطوي لإحداث قفزة في الحياة المعاصرة، سواء باتجاه النهاية المحتومة، أو صوب بداية أخرى مغايرة لما مضى وانقضى.
يكشف العنوان صراحة عن هذه الرغبة في تحويل الرحلة إلى أدبيات تأملية واستبطانية، فيها ما فيها من التعمّق والفلسفة، فالقطار الذي يلهث الراوي من أجل اللحاق به، بطلته امرأة قارئة، ليست عادية بطبيعة الحال، وإن كانت لها سمات الأنثى الجميلة التي تجتذب الرجل، وخصائص المرأة الآدمية.
من خلال هذه المرأة الاستثنائية، ينجو الراوي من الضياع في عربات القطار المتعددة، الحافلة بالأحداث والمشاهد الغريبة، والأشخاص الذين يظهرون فجأة ويختفون فجأة، والنساء اللاتي يقمن معه علاقات عاطفية وجسدية لا تروي ظمأه الروحي والمعرفي.
وتقوده سيدة القطار تدريجيّا إلى الاحتماء بذاكرته من الوحدة والبرودة والفقدان، ويستدل على ذاته شيئا فشيئا من خلال ما ترويه له من حكايات “كتاب الأحلام” عن شاب جنوبي عاش قديما، كان له دور مع ثوار الثورة العرابية بمصر في أواخر القرن التاسع عشر.
في هذا الكتاب اعتمد على ألاعيب السرد المرنة في جو عجائبي يمزج الحلم والهذيان بالواقع للخلاص من قبضته.