رأى الباحث السوري في مركز جسور للدراسات, وائل علوان, أن المشهد السوري في ذكراه العاشرة شهد الكثير من الآلام والمآسي, مضيفاً “مازال مصير المعتقلين هو ألهم الأكبر مع وجود كم هائل وكبير من السوريين المفقودين والمعتقلين الذين لا يعرف مصيرهم”.
الخارطة السورية ممزقة بين فاعلين محليين ومن يدعمهم من القوى الإقليمية والدولية
وأضاف علوان في حديثٍ خاص لـ تموز نت, أنه بالإضافة إلى المصير المجهول للمعتقلين أيضاً “الخارطة السورية ممزقة بين فاعلين محليين, وكلٌ من الفاعلين المحليين ورائه جملة من المتداخلين إقليمياً ودولياً”, مشيراً إلى أن هناك عدد كبير من الدول التي “تتحكم بالقرار في سوريا, وهي التي تملك وحدها اليوم القرار السيادي, والفاعلين المحليين هم شركاء في التنفيذ, كل فاعل محلي هو شريك في التنفيذ لمن يدعمه من القوى الإقليمية والدولية”.
المجتمع الدولي لا يتعامل بموقف إنساني
وتابع علوان قائلاً: إن “المشهد السوري بشكل عام هو مشهد الوصول إلى الـ لا منتصر و لا مغلوب؛ مع تفاقم كبير في الآلام والمآسي والجراح والتضحيات, وبقاء بشار الأسد ونظامه وأفرعه الأمنية جاثمين على صدر الشعب السوري رغم كل التضحيات والثورة العظيمة والمجيدة, والسبب ببساط أن المجتمع الدولي لا يتعامل بموقف إنساني مع تضحيات الشعب السوري, وإنما يتعامل بمنطق المصالح السياسية, ولذلك يتراخى المجتمع الدولي عن دعم مطالب الثورية السورية وفق ما تقتضي مصالحه, في مقابل دعم كامل من قبل روسيا وإيران لهذا النظام المجرم”.
النظام يستثمر في الصراع والخلاف والفوضى
واستبعد الباحث السوري, وائل علوان وجود انقسام أو شرخ في المجتمع السوري, وأضاف قائلاً: “لا أرى إن الانقسام حاد في المجتمع السوري”, متهماً حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بـ “الاستثمار في خلق نزاعات مجتمعية وخلق حالة من الفوضى والصراع الداخلي في كل دوائر المكونات الأثنية والدينية وما بين الريف والمدينة”, مضيفاً “هذه هي سياسة النظام يستثمر في الصراع والخلاف والفوضى لذلك بمجرد زوال هذا النظام فالشعب؛ شعب واحد ومتسامح ويريد المستقبل ولا ينظر كثيراً إلى صراعات الماضي. لذلك بمجرد أن يحال المجرمين للحساب والقصاص باقي الشعب سيدرك تماماً أنه في مرحلة تضميد جراح وفي مرحلة نهاية الحرب وبداية البناء, ومن السهل جداً على شعب عظيم كالشعب السوري التفاعل بشكل سريع”.
سوريا دولة تحكمها منظمات المجتمع المدني
وعن الوضع الاقتصادي والإنساني في سوريا اعتبر علوان أن البلاد تعيش اليوم على المساعدات الإنسانية, مضيفاً “أصبحت دولة تحكمها منظمات المجتمع المدني شئنا أم أبينا؛ وفي كل المناطق, والسبب هو الانهيار المستمر بسبب وجود بشار الأسد وسلطته والفساد ورهن الدولة للحرب. إن الخيار الذي اختاره النظام أثر على كل سوريا وعلى اقتصادها إضافة إلى تدميره مع شركائه الروس والإيرانيين لمعظم البنية التحتية كـ الزراعة والصناعة وحتى التجارة, هذا الأمر ربما هو من أكثر الأمور التي تحتاج جراحها إلى وقت طويل كي تلتئم ويشفى منها الوطن بعد ذهاب أساس المشكلة؛ بشار الأسد ونظامه”.
عدالة انتقالية تضمن محاسبة المجرمين
وشدد علوان على إن حالة الانقسام الحاد في المجتمع السوري، ستبقى وتستمر طالما إن سببها باقي ومستمر “وهو نظام بشار الأسد الأمني وطريقة إدارته لسوريا”, مضيفاً “لابد لتجاوز تلك الكوارث والطامات الكبرى التي منيت بها سوريا في العشر سنوات السابق, وما قبل العشر سنوات منذ أن استلم حزب البعث السلطة في سوريا لابد من أن يكون هناك مصالحة مجتمعية ما بعد الحرب, وأساس العدالة الانتقالية هو محاسبة المجرمين. لا يمكن أن يفهم من المصالحة الانتقالية أو السلام الوطني أو مرحلة الوئام الوطني على أنها ترك للمجرمين في سدة الحكم ودعوة الضحايا للتصالح معهم”, معتبراً ذلك “تشويه كامل لخارطة سوريا ولا يمكن أن تلتئم أي من الجراح الاجتماعية أو الوضع الاقتصادي بمثل هذه الحلول المشوهة, ولابد أن تكون هناك عدالة انتقالية تضمن محاسبة المجرمين وتضمن التعويض”.
نظام الأسد أوصل سوريا إلى حالة الدولة الفاشلة
وتابع علوان أنه “بعد عشر سنوات من الثورة باتت سوريا متأخرة عن الكثير من دول العالم بسبب حكم نظام البعث وسلبه للثروات وإغراق المجتمع والدولة بالفساد, ومع دخول الثورة إلى جميع أزقة وأحياء الخارطة السورية وانتفاضة الشعب السوري في وجه النظام. بدأ النظام يكرس كل موارد الدولة وما تعنيه سورية في خدمة الحرب والدمار. ونظام الأسد أوصل سوريا اليوم إلى حالة الدولة الفاشلة بكل معنى الكلمة, والمؤشرات في التعليم والصحة والاقتصاد والتنمية والتطور ومحو الأمية, تشير إلى أن سوريا في أواخر قائمة الدول على مستوى العالم”.
إيران تحاول أن تسحب روسيا للغرق أكثر فأكثر
وعن الدور المحتمل للإدارة الأمريكية حيال الملف السوري, وإمكانية الضغط باتجاه تطبيق القرار الأممي ٢٢٥٤, قال علوان: “بحسب ما يرشح عن الإدارة الأمريكية وعن توجهاتها منذ أن استلمت مقاليد الحكم وحتى اليوم, نعم هناك تمسك بتنفيذ القرار 2254, وتضييق الخناق على أذرع إيران خارج الخريطة الإيرانية؛ وبالأخص في سوريا. هناك إحساس بالخطر الذي تقوم به إيران من سوريا باتجاه دول الجوار, وهناك ضغط كبير جداً يوازيه تشديد العقوبات”.
وأشار علوان إلى أن “الوضع الكارثي الذي وصل إليه الاقتصاد في سوريا والحالة المعيشية والمجتمعية انعكست بشكل أو بآخر على الدولة. فالدولة عاجزة اليوم عن تقديم الخدمات, والنظام واقع في مشكلة كبيرة, وهذا الواقع جعل روسيا تشعر بالفعل بالكارثة الكبيرة التي تغرق فيها, وربما من في القاع -وهي إيران- تحاول أن تسحب روسيا للغرق أكثر فأكثر, وهذا ما تدركه روسيا لكن هناك دائما تفاعل بطيء من قبل روسيا وهذا ما يجعل الولايات المتحدة تمعن في هذه العقوبات”.
الانحدار السلبي للمعارضة
وعن أداء المعارضة عسكرياً وسياسياً خلال السنوات العشر من الحرب في سوريا, قال الباحث السوري وائل علوان: إن “المعارضة السورية؛ العسكرية والسياسية وقعت ضحية الكثير من الحسابات الإقليمية والدولية, لكنها للأسف ليست فقط في هذا الوضع المذري بسبب تلك الظروف الخارجية الكبيرة التي كانت تحيط بالشأن السوري, وإنما بسبب الكثير من الأخطاء الذاتية والتقصير الذاتي الذي ساعد وعزز الانحدار السلبي للمعارضة. فالمعارضة العسكرية والفصائل دخلت في اقتتالات داخلية وسمحت للإسلاميين بتولي الكثير من زمام المبادرة وقيادة الفصائل, والمعتقلين الذين أطلق سراحهم بشار الأسد من سجونه وبالأخص سجن صيدنايا, للأسف معظمهم كان يحمل أفكاراً متطرفة وإرهابية وكانوا أداةً راهن عليها بشار الأسد, وبالفعل حرفت مسار الثورة في الكثير من المناطق, ولم يكن هناك وعي وإدراك لباقي مكونات الثورة العسكرية لهذا الخطر الكبير بحكم التعاطف الشعبي مع التدين في منطقة الشرق الأوسط وسوريا, وبحكم أن إجرام بشار الأسد والقتل والدمار الذي كان يصلى به كل مكان خارج عن سيطرة النظام جعل الفصائل بالفعل لا تستطيع أن ترسم الطريق الصحيح وتحدد بوصلتها. والمعارضة السياسية للأسف كان همها الارتهان للبقاء في المنصب وما تتيحه لهم الدول من امتيازات, وهو دائما مكان نقد كبير جداً من قبل الثوار والشعب السوري. لذلك بشكل أو بآخر خُلق هذا الانفصام بين الثورة ومن يمثلها سياسياً”.
انغلاق في العملية السياسية
وفي ختام حديثه خلُص علوان إلى أنه “بعد عشر سنوات من الثورة هامش الفاعلين المحليين محدود جداً؛ إن لم يكن مفقوداً بشكل كامل لأي تحرك إيجابي أو سلبي”, مؤكداً أن القرار بات مرهوناً بالتفاهمات والمفاوضات الإقليمية والدولية, وإن هناك مفاوضات مستمرة بين روسيا والولايات المتحدة بشكل دائم على مختلف القضايا ومنها قضية سوريا كجزء من المنطقة. مشيراً إلى أن “هناك استعصاء في القضايا الإقليمية والدولية, والقضية السورية هي جزء من مشهد كبير جداً يتأثر بمختلف القضايا المحيطة به, وما نشهده اليوم من انغلاق سياسي في العملية السياسية سواءً فيما يتعلق بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية أو المضي باي خطة في اللجنة الدستورية هو مثال وشاهد على الاستعصاء والانغلاق السياسي الكامل”.