لم تثبت صورة المثقّف العربي على حال. ففي مرحلة طويلة نسبياً، تمتد من أوائل القرن الماضي إلى أوائل القرن الراهن، تجلّت وتنوّعت بين قومي مستنير حالم بالتغيير، ويساري مؤمن بمستقبل مشرق، ومتديّن صاحب نظرة ثابتة إلى عالَم لا يصلح إلّا بما صلح به سكّان ماضيه، ومتغرّب لا يجد لحياته لذّة إلا في التقولب حسب القوالب الغربية، وكلّهم بُذل وضُحّي.
كل هذه صور تتراءى تحوّلاتها الآن وتختلط؛ ينتقل أصحاب يسار إلى مواقع أصحاب يمين، ويتخلّى قوميون عن نظرتهم إلى أُمّة واحدة ويلتصقون بطوائف ومذاهب، ويتّخذ المتديّن موقفاً أقرب إلى موقف المتغرب… وهكذا.
ويشمل التحوّل والاختلاط القارئ والمستمع والمراقب، حتى يكاد الواحد منهم لا يتعرّف على ملامحه أو ملامح مَن يعرف، كأنّما الأرض غيرت أحوالها، وانقلبت سننها رأساً على عقب. فيصبح داعية التحرّر أكثر شغفاً بتبرير تسليم الرقاب لسلاسل العبودية، وصاحب المثل الاشتراكية وسيطاً صغيراً في حوانيت الرأسماليين، أمّا المتدين فيصبح صورة كاريكاتيرية تشبه صورة رسمها المتنبي للأمّة التي ضحكت من جهلها الأمم في الأيام الخالية، أمّة أصبحت غاية الدين عندها حفّ شارب وإطلاق لحية.
هذه صور مفاجئة، إلّا أنها أصبحت مألوفة في أعين أجيال لم تتعرّف على صور المثقّف في ماضيه، ولذا فقدت القدرة على مقارنتها بصوره في حاضره. هذا هو حال الإنسان تحت سماء غابت عنها حسنات الذاكرة، فغابت بالتالي قدرته على التصويب ولو بأضعف الإيمان، أي بقلبه.
محمد الأسعد شاعر وناقد وروائي فلسطيني ولد في قرية أم الزينات الواقعة قرب مدينة حيفا في فلسطين . نزحت عائلته عام 1948 لتستقر في مدينة البصرة في العراق حيث تلقى الشاعر تعليمه المبكر، ورغم الظروف المالية الصعبة التي ألمت بعائلته استطاع الأسعد إكمال تعليمه وسافر إلى الكويت حيث عمل في الصحافة هناك، وقد عاش مدة في قبرص بعد حرب الخليج ثم في بلغاريا ثم عاد إلى الكويت حيث يعيش الآن . شعر محمد الأسعد إكمال غني بالصور الحسية والعاطفة وهو يعكس استغراقه في موضوعات الجماعية للفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات . إضافة إلى كتبه النقدية ( مقالة في اللغة الشعرية ) (1980) و ( الفن التشكيلي الفلسطيني ) ( 1985 ) و ( بحثا عن الحداثة ) (1986) أصدر الأسعد عددا من المجموعات الشعرية ( الغناء في أقبية عميقة ) (1974) , و( حاولت رسمك في جسد البحر ) (1976) , و ( لساحلك الآن تأتي الطيور ) (1980) . أصدر الشاعر أيضا سيرته الذاتية في كتاب بعنوان ( أطفال الندى ) ( لندن 1991 م ).