حماة (سوريا)- تغلب الواقعية على أعمال الفنان التشكيلي والنحات السوري حبيب نجار فيعتمد على المواد المنوعة ويجعل من الإنسجام بين الإنسان والطبيعة هدفا له. ويستوحي من بيئة بلدته محردة بمحافظة حماة السورية أفكاره وصوره.
يبيّن نجار أن التراث والحياة القديمة في مدينته محردة ساهما في تكوين موهبته واستهوته حاراتها القديمة، وقام بإحيائها في أعماله الفنية فكانت مصدر إلهامه.
و “محردة” تعني مشرق الشمس، وهي مدينة سورية تقع شمال مدينة حماة وتبعد حوالي 25 كلم عنها وحوالي 240 كلم عن العاصمة دمشق، وهي تطل على نهر العاصي في وادي شمالي المدينة.
ويصف نجار اللوحة بكل عناصرها الطبيعية والإنسانية بالكائن الحي، فأحيانا تظهر البلدة كجسد يتغذّى من شريان في باطن الأرض أو شجرة عميقة الجذور أو كحضن دافئ لأم تحنو فوق أطفالها.
الفنان يستحضر روابط الألفة في زمن الأنانية، ويبحث عن المعاني في زمن العبثية، غايته الانسجام بين الإنسان والطبيعة
وبحسب صحيفة العرب, يرى الرسام والنحات السوري أن الثقافة البصرية التي اكتسبها في طفولته من خلال الحياة الريفية البسيطة كان لها بالغ الأثر في تكوين لوحاته وأعماله، فلم تغب عنها الأرض والمياه والأشجار في أي فصل من الفصول والمواسم، كذلك الزي الشعبي فهو يجعل من الانسجام بين الإنسان والطبيعة هدفا له.
ونجار من مواليد محردة في العام 1961 لعائلة وافرة العدد مكونة من ثمانية إخوة وأب وأم، وعائلة أكبر هي قريته كجزء من وطن يحتضن ثقافة وإنسانا وأرضا مشبعة بعبق من الحضارات الإنسانية المتعاقبة.
وعن قريته يقول نجار: “كانت القرية الريفية جزءا من نسيج غني جدا منبسط على مساحات شاسعة منسوج بشتى ألوان الحياة وأطياف الثقافات ومعالم الوجود الإنساني، وبهذه الروابط الضاربة في عمق التاريخ بين الإنسان والأرض والسماء والثقافات الغنية في تنوّعها كانت القرية أسرة مترابطة متجانسة تتشارك بساطة المكان والزمان وشعور الانتماء لكل شيء والإحساس العميق بالآخر”.
وتتحدّث أعمال نجار عن طبيعة البيوت وأشكالها وعن جدران وأسقف تستند على أكتاف بعضها البعض كرفاق يسيرون جنبا إلى جنب، كما تأخذ لوحاته من تشعب الحارات والأزقة بين الصعود والهبوط عند درج كل بيت يحمي سكانه ويأويهم، إلى استحضار قبو المؤونة الذي يحفظ طعامهم ويمكّنهم من الاستمرار في الحياة.
هكذا يرسم الفنان حنينه الدائم إلى الحياة البسيطة، تلك الحياة المحببة إلى قلبه بعيدا عن الازدحام والضجيج الذي يعيشه الإنسان المعاصر والذي يُعره لاغتراب نفسي مؤلم وموحش ومتعب.
وفي مرحلة الحصار والحرب التي عاشتها بلاده ومدينته طعنت جروح الحرب قلبه وأدمت أحاسيسه وأصبحت لريشته صرخات ألم وقهر وحزن كبير تبوح بها ألوانه وعناصر التشكيل في لوحاته، فالضبابية ولّدتها ألسنة اللهب والصخب، والقلق والخوف بدا جليا على وجوه أشخاصه، لكنه خوف وحزن ممزوج بالرجاء المنتظر لبشرى خلاص قادم لا محالة.