دأب الكاتب السوري خطيب بدلة، طيلة سنوات العقد الماضي، على تقديم مجموعات سردية، جمع فيها حكايات عن زمن الاستبداد، فصدر له “قصص وحكايات وطرائف من عصر الديكتاتورية في سورية” العام 2014، و”حكايات سورية لها علاقة بالاستبداد” العام 2015، و”السوريون منبطحاً” العام 2017، و”كوميديا الاستبداد” العام 2018.
وضمن هذا السياق يأتي مؤلفه الجديد “أساطير بعثية”، عن دار موزاييك في إسطنبول التركية، حيث جمع في صفحاته 19 قصة عن سوريين كانوا ضحايا حقبة تحول عموم السوريين فيها إلى شعب تحكمه فيها الأفرع الأمنية، وتتحكم بتفاصيل يومياته، وبالأطر الإدارية التي تسير حياته.
فيمرّ خطيب بدلة، كما فعل في مجموعاته السابقة، على شؤون العامة من الناس، بالتوازي مع تحليله غير المعقد للبنى الذهنية لأولئك الذين هتفوا طيلة عشرات السنين “بالروح بالدم”، ففي ردهات وغرف العقل البعثي، صار عنوان الحياة ومدخل التطور هو الانضمام إلى جحافل “الهتيفة” و”السحيجة” و”الدبيكة”. وفي الحد الأدنى من خطوات اتّقاء شر كتّيبة التقارير المخابراتية، وسطوة العناصر الأمنية، كان على الآخرين أن يصمتوا، وأن يراقبوا، من دون أن يتورطوا بعمل يودي بهم إلى تهلكة أقبية التعذيب.
يحاول خطيب أن يدفع بهؤلاء الذي أغلقوا أفواههم لأن يحكوا عما جرى في حَواري المدن الهامشية، والقرى البعيدة، وعن آليات السيطرة، وتحول اليومي البسيط إلى جزء من فعالية التسلط، عندما يختلط سوء الإدارة بتجارة الجنس، وبالرشوة، وبهيمنة المركزي على الطرفي، فيتحول عنصر الأمن، إلى رمز، أو حامل لواجهات النظام.
ارتبط عمل خطيب بدلة، منذ البدايات، بالسخرية، فسُمّي كاتباً ساخراً، وقد عمل كثيراً ضمن هذا النسق من التأليف، غير أن تبدلاً حصل في توجه كتابته منذ انضمامه إلى الثورة، وانغماسه في الأنشطة المحلية في محافظة إدلب، والخروج نهائياً إلى تركيا ومنها إلى ألمانيا، فقد صار تركيزه الكامل منصبّاً على التكنيك السردي، الذي ينقل من خلاله الحديث اليومي المعتاد، إلى عتبة التوثيق.