اعتبر المحلل السياسي الروسي, أندريه انتكوف, أن روسيا لا تتمسك بالشخصيات, وأن اختيار الرئيس السوري بشار الأسد يعود للشعب السوري.
وأضاف انتكوف في حديثٍ خاص لـ تموز نت, أن المعضلة الرئيسية التي تواجه روسيا في التعامل مع الملف السوري “هو التواجد الأمريكي شرق الفرات وتشجيعه للتحركات الانفصالية في تلك المناطق. كذلك العقوبات الأمريكية والأوربية الخانقة والمدمرة بالنسبة للاقتصاد والشعب السوري الذي يعاني منها كقانون قيصر. والمشكلة الثانية هي مع التواجد العسكري التركي. وأرى بأنه يجب أن نهيئ الظروف المناسبة لحل هاتين المشكلتين الرئيسيتين /التركية والأمريكية/”.
وتابع انتكوف قائلاً: أن “روسيا ستستمر في التعامل مع الملف السوري, وهذا لا يعني أنها ستتجاهل العملية السياسية واللجنة الدستورية رغم أنها لا تعمل بالصورة المطلوب, إلا أن هناك آمال بأنها ستنجح”, مضيفاً “لكن المشكلة ليست مع تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254, لكنها تكمن في تواجد القوات الأجنبية الغير شرعية على الأراضي السورية”.
وعن تأثير الانتخابات الرئاسية على مسار استانا في ظل رفض تركيا الاعتراف بالانتخابات وشرعيتها, قال انتكوف إن “الانتخابات الرئاسية التي جرت ليست الأولى من نوعها خلال الأزمة السورية, وعدم الاعتراف بالانتخابات من قبل الجانب التركي مثلاً؛ لن يحول دون استمرار المفاوضات في استانا. لذلك هذه المفاوضات ستستمر حتى تصبح ذات مغزى ومعنى. أما بالنسبة للولايات المتحدة فالموقف الأمريكي غير البناء يحاول أن يدمر سوريا كدولة, والمشكلة الأمريكية ليست مع الرئيس بشار الأسد فقط, إنما تريد تدمير سوريا كدولة عن طريق العقوبات الاقتصادية والتواجد العسكري في مناطق شرق الفرات”.
واستبعد انتكوف أن تقوم الحكومة الروسية بعقد أي اتفاقية تتعلق بعمل شركات نفط روسيا ضمن مناطق الإدارة الذاتية وتجاوز الحكومة السورية, قائلاً: “ستستمر روسيا في التعامل والتعاون مع الحكومة المركزية في دمشق ولا مجال للتعامل خارج هذا السياق بما في ذلك التعامل مع الإدارة الذاتية في موضوع عمل شركات النفط الروسية في مناطق سيطرتها. لأن هذا الأمر سيشكل خرقاً للسيادة السورية”.
وتابع قائلاً: “اعتقد أنه كان لدى روسيا خبرة سيئة في هذا المجال مع الدول المجاورة لسوريا كالعراق؛ حيث كان هناك بعض الاتفاقيات مع حكومة إقليم كردستان دون التنسيق مع السلطات المركزية في بغداد, وهذه الخطوات أدت إلى بعض ردود الفعل السلبية جداً تجاه روسيا من قبل حكومة بغداد, وأدت إلى خسائر مالية في نهاية المطاف. اعتقد أن روسيا استنتجت من هذه التجربة ولن تكرر هذا السيناريو. وأرى أن أفضل الطرق بالنسبة لروسيا هو التعاون المباشر مع السلطات في دمشق. وإذا حصلت الشركات الروسية على الموافقة من قبل السلطات السورية لاستخراج النفط في شرق الفرات فأهلاً وسهلاً؛ هذا شيء محتمل ولكن دون الموافق السورية هذا الأمر مستحيل”.
وعن إمكانية أن تتصاعد حدة المناوشات والقصف المتبادل بين الفصائل المسلحة والقوات الحكومية في أرياف إدلب وحماة واللاذقية إلى مواجهات واسعة, اعتبر انتكوف أن استئناف القتال بشكل واسع بين الجانبين هو “مسألة وقت”, مضيفاً “لأنه لا تزال المجموعات الإرهابية كـ هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بالإضافة إلى مجموعات أخرى متواجدة في منطقة خفض التصعيد بإدلب, وروسيا لن تتخلى عن فكرة القضاء على هذه المجموعات والانتصار عليها. اعتقد أنه عاجلاً أم آجلاً سيتم استئناف العمليات ضد هذه المجموعات”.
كما أكد انتكوف: أن روسيا تعتبر هيئة تحرير الشام “منظمة إرهابية ولن يكون هناك أي مفاوضات معها, والموقف الروسي واضح حيث حدد خيارين لهذه المجموعات؛ إما الهزيمة الكاملة عبر القتال أو الاستسلام. ولا يوجد خيارات أخرى غير ذلك بالنسبة لروسيا. ولذلك يجب تحرير الأراضي السورية من المجموعات الإرهابية”, مضيفاً “طبعا هناك العامل التركي وروسيا مضطرة لأخذ هذا العامل بعين الاعتبار, ولكن في نفس الوقت قبل أكثر من سنة وأربعة أشهر كان هناك عمليات عسكرية واسعة ضد جبهة النصرة, وتم تحرير عدة مناطق كان يسيطر عليها بشكل كامل من بينها الطريق /أم-4/, وجزء من الطريق /أم-5/ الذي استأنفت عليه الرحلات. ولكن هذا لا يعني أن الأوضاع ستكون كما هي الآن إلى الأبد, وأحد الأهداف الرئيسية بالنسبة لروسيا هو هزيمة هيئة تحرير الشام رغم الموقف التركي”.
وعن مدى تأثير التوتر بين أذربيجان وأرمينيا, وعقد صفقات لبيع الطائرات المسيرة لأوكرانيا وبولندا, والتمدد نحو دول أسيا الوسطى من قبل تركيا على العلاقات الروسية التركية قال انتكوف: “كل تلك العوامل تقلق روسيا للغاية, ولكن كما يبدو أن روسيا وتركيا متواجدتان بين نارين؛ فمن جهة هناك خلافات جذرية كالصراع بين أذربيجان وأرمينيا, وسوريا, وآسيا الوسطى وغيرها من المناطق, ومن جانب آخر هناك تعاون اقتصادي عميق جداً بين روسيا وتركيا. لكن لدى روسيا بعض وسائل الضغط على تركيا من بينها –استعملت روسيا هذه الوسيلة- منع روسيا أكثر الرحلات الجوية إلى تركيا ومنع السياح الروس من التوجه إلى تركيا, اعتقد أن هناك عامل سياسي وراء منع ذهاب السياح وإيقاف الرحلات تحت ذريعة خطر انتشار كورونا, نحن نتحدث عن ملايين الأشخاص الذين يزورون تركيا سنويا, وهذا يعني لتركيا خسائر مالية ضخمة. كما أن لدى روسيا عدة وسائل ضغط على تركيا منها سوريا, ولا استبعد أن يتم استئناف القتال في إدلب بسبب الخلافات بين تركيا وروسيا. هناك مسار ولعبة صعبة جداً بالنسبة لتركيا وروسيا للتعامل مع هذه القضايا”.