رواية “ملحمة الحرافيش” من أكثر أعمال نجيب محفوظ شهرة ..لم يحدد محفوظ مكان الحارة التي دارت فيها أحداث الحرافيش، ولا زمنها بدقة، إلا أن هناك ادعاءات كثيرة تقول بأنها حارة موجودة فعليا، وهو ما أثار استغراب محفوظ نفسه قبل رحيله, وفقاً لصحيفة العرب.
لقد ألف محفوظ رواية “ملحمة الحرافيش” عام 1977 وعندما سئل محفوظ عن استخدام اسم حارة الحرافيش في عنوان روايته الشهيرة، اندهش لوجود حارة بهذا الاسم، لأنه كان يتناول في روايته التي أشادت بها حيثيات جائزة نوبل للأدب عام 1988، المهمشين والفقراء وعلاقات بناء السلطة في الحارة المصرية.
يقول الأديب والروائي المصري محمد الشاذلي “إن الحارة وهي موجودة في القلعة لم تكن أبدا في محيط الأماكن التي تناولها نجيب محفوظ في أدبه، وهي متواجدة كلها في حي الجمالية في منطقة الحسين في قلب القاهرة الفاطمية، بينما الحرافيش حارة حقيقية لم يعرفها محفوظ، الذي استغرب من وجود حارة بهذا الاسم، هو الذي لم يكن يدير حركة الأحداث في المكان لربطه بالتطور السياسي والاجتماعي في مصر”.
ويضيف الشاذلي مؤلف كتاب “أيام مع نجيب محفوظ” – وهو تحت الطبع بمطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب – “أنه وعلى الرغم من أن علي مبارك في ‘الخطط التوفيقية’ ذكر اسم الحارة ومكانها بالتفصيل، فإن محفوظ لم يكتب عنها على وجه التحديد”.
ويتابع “لقد قرأت الرواية مرتين ولم أعثر أبدا على ذكر كلمة حارة الحرافيش بين سطورها، ولكن تم ذكر الحرافيش ومأساتهم وانفلاتهم، والإشارة إلى أحوالهم وتقلباتهم، وأيضا إلى زعمائهم”.
ويؤكد الأديب يوسف القعيد – وثيق الصلة بنجيب محفوظ في أعوامه الثلاثين الأخيرة – شهادة الأديب محمد الشاذلي حول الحارة المجهولة، مشيرا إلى أن محفوظ قال له إن كلمة الحرافيش معناها “الحارة مفيش” بالعامية المصرية؛ لأن الفتوة عندما يظهر في الحارة كانت الناس تختفي منها تمامًا.
ويضيف إن “الحارة في أدب محفوظ موجودة في أرض الواقع المصري حتى الآن وشهادة الشاذلي دقيقة بوجودها باسم ‘حارة الحرافيش’. ومحفوظ كان مولعا بالحارة لأنه قضى سنوات عمره في منطقه الجمالية، فكتب عن أحيائها، وكذلك الزقاق، زقاق المدق وخان الخليلي؛ والزقاق عبارة عن حارة صغيرة ومغلقة من الداخل”.
ويضيف الشاذلي أن محفوظ في قصصه ورواياته خصوصا في مرحلته الواقعية كان يكتب من وعن الحارة وتفاصيل العلاقات الاجتماعية فيها وتطلعات ناسها، وارتباط ذلك بالأوضاع السياسية في مصر، والتي يفهمها جيدا، هو الذي لم يخرج من الحارة أبدا، ربما أطل ببعض الأعمال أو وضع ارتباطات بالإسكندرية، لكن الخروج من حارات الجمالية إلى مياه المتوسط كان بحساب، وكان بالضبط بعد تجاوز المرحلتين التاريخية والواقعية في رواياته، إلى المرحلة الفكرية الفلسفية وأشهر أعمالها “السمان والخريف” و”الطريق”. لكن ملحمة الحرافيش لم تكتب عن الحارة الحقيقية إنما شحنت بفلسفة وتصوف ورموز، تعبر عن فكر محفوظ نفسه في رفض فكرة الحاكم المطلق.
ويقول الناقد حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، “إن ارتباط محفوظ بالحارة المصرية ارتباطٌ أزلي بالمكان وولع لا حد له، فهي جزء من البناء الأدبي لصرح نجيب محفوظ الخالد”. مشيرا إلى أنَّ “البيت القديم” ظلَّ مكاناً وزمناً، يُمثِّلُ هاجسا مسيطرا، أو “ثيمة” متكررة، تتردد في روايات محفوظ، وتُسهم إلى حد بعيد في صياغة ملامحها وعوالمها.